أبواب

دائرة المفتعل

زياد العناني

قبل أيام وفي تقرير رياضي بُث على إحدى المحطات الفضائية ظهر شاب عربي يشجع المنتخب الهولندي، مؤكداً أنه ينتمي إلى هذا المنتخب، ويتحدث عنه بأحاسيس وطنية هولندية وعلم مرفوع ومطبوع على الخدين، من دون أن يتعثر أو يرتجف وهو يقول، بالنصب على الاختصاص، «نحن الهولنديين»، ومن دون أن يتذكر هويته الوطنية العربية وخصوصيتها التاريخية.

ما الذي يحدث بالضبط ؟ هل نحن في زمن العولمة واختفاء الدولة الوطنية، أم أنه اليأس من سقوط الرموز العربية في السياسة وفي الرياضة قد تمظهر الآن، وراح يدفع بشبابنا إلى اتخاذ رموز عالمية تدل على أننا لم ننتقل من دائرة المفتعل إلى دائرة الفعل المساهم في بناء الحضارة، ولم نصل بعد إلى الشخصية المتماسكة والقادرة على الخيار والاختيار.

نعرف أن كرة القدم وسيلة لتقوية العلاقات بين الدول، وكذلك التقارب بين الشعوب، ونعرف أيضاً أنها وفي جزء آخر منها قد باتت تشكل مصدراً من مصادر التعصب والحساسيات السياسية والإقليمية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل يعقل أن نتباهى حد الجنون برموز كروية وأعلام دول أخذت مكانها على الفانيلات والملصقات، من غير أن نلتفت إلى عمقنا التاريخي وحضورنا الوجداني ووعينا ببعدنا الثقافي وعلاقتنا التاريخية بهذه الدول التي رفعت أعلامها على المستعمرات العربية في القديم، وتحلم الآن أن ترفع أعلامها على مستعمرات جديدة، من دون أن تكتفي برفعها في الأجواء الكروية التي تعقد كل أربع سنوات مرة واحدة.

كان يمكن أن نشجع أي فريق كروي، من دون أن نصل إلى نسيان ذواتنا ونسيان من نكون، ونندمج في أجواء مونديال ليس لنا فيه ناقة أو جمل، ونحتفي بمن لا يحتفون بنا، ونصر على أننا شركاء في نصر كروي، سيعود إلى ذويه فقط، بعد أن يُسحب البساط تماماً من تحت أقدامنا.

لقد كشفت أجواء المونديال أننا أمام مصيبة كبرى عابرة للهويات، أكدت أن ثقافتنا ليست بخير، وأننا نسير نحو تمييع المعنى العربي لمصلحة الانخراط في تبعية يعتقد أنها رياضية وتؤخذ هنا حقائق أو مسلمات مبررة، فيما الحال كلها تقول إنها تبعية متعددة الأوجه، يمكن أن تضمنا إلى زمن معولم ننصهر فيه حد الذوبان بدلاً من الاستفادة منه في تشكيل هويتنا وثقافتنا ومنجزاتنا في الفكر وفي السياسة وفي الرياضة أيضاً.

نحتاج إلى دراسات وبحوث فكرية معمقة لهذه التحولات، تبين لنا أن الهوية العربية يمكن أن تتعاطى مع العالمي وفي الاتجاهات كافة، ولكن من موقعها غير المضمحل ومن ثقافتها التي يجب أن تعيدنا إلى دائرة التاريخ والحضارة، قبل أن تقع الفأس في الرأس وتندثر خصائصنا وملامحنا، ونجد أننا نصفق في الهواء لهوية أخرى في زمن تجري فيه، بحسب الراحل الجابري، محاور عدة للاصطفاء بالمعنى الدارويني للكلمة، أي نظرية داروين في «اصطفاء الأنواع والبقاء للأصلح»، التي تعني أن «الشعوب التي لا تقدر على المنافسة سيكون مصيرها الانقراض».

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر