يا جماعة الخير

أنا مسافر.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

على مدى الأسبوع ومؤذن المسجد ينفرد بكل داخل وخارج قائلاً لكل واحد على حدة: أنا مسافر إن شاء الله، والردّ دوماً: إن شاء الله «يصير خير»، فسأل مهندس ــ من جنسية المؤذن نفسه ــ إمام المسجد: هل على المؤذن عند سفره أن يستأذن من جميع المصلين فرداً فرداً؟ بدا على الإمام انفعال مكتوم، ولم يجب، فتقدم أبومحمد، وهو من قدامى المستديمين في المسجد، وأخذ المهندس بلطف جانباً وهمس في أذنه: إنها عادة الفقراء، فلربما أراد أحد أن يكرمه بهدية أو مساعدة، نظر المهندس مرة أخرى، فإذا بالمؤذن يحمل هاتفين نقالين، وكمقاول مشغول يتصل هنا وهناك، وعبارة (أنا مسافر) متكررة في جميع الاتصالات. حزن المهندس من سلوك المؤذن وأخذته الغيرة على المساجد وعلى صورة جنسيتهما، ونحا جانباً بالرجل، وأعطاه لفافة من المال يريد بها أن يعفه عن هذا التسول المستتر، ولكن صاحبنا أخذ المبلغ ودسه في جيبه بيد محترفة وعاود اتصالاته.

رجع المهندس إلى إمام المسجد وأخبره بالمشهد، وهنا انفجر الإمام: لماذا أعطيته؟ لقد ابتلينا به في المسجد، وهو يعيش حياة بذخ، وينفق بلا حساب، ولكن لا بركة ولا كرامة! إنها إساءة للمساجد وللشؤون الإسلامية والأوقاف، وللحق فهم لا يتوانون أبداً عن محاسبة أمثاله بالإنذار ثم الإبعاد، لأنها وظيفة شريفة يشغلها مئات المؤذنين من أصحاب النفوس الغنية المتعففين، وأردف الإمام: والسبب هو عمنا أبومحمد، هذا الرجل الطيب الذي يمنعني دائماً من رفع أمر المؤذن إلى الإدارة، ويظن أن المسألة تتعلق بفعل الخير والإحسان. قال المهندس: لقد طفت دولاً غربية كثيرة، ولشد ما كانت تذبحني الصورة المشوهة عندهم لرجال الدين من مثل هذا، إماماً كان أو مؤذناً أو مساعداً، بينما هي أسمى طائفة على وجه الأرض، هم ورثة الأنبياء، الدعاة إلى الله، الناشرون بسلوكهم قبل كلامهم شريعة الطهر والتقى، وكم من أصدقاء أجانب دخلوا الإسلام بمعاشرة إمامٍ أو مؤذنٍ أو عاملٍ بمسجد، لما وجدوا أنوار الإيمان في سلوكه عفة وزهداً وغنى، مبدؤهم: ازهد في ما في أيدي الناس يحبك الناس، كيف يقتدي المصلي برجل يتسول منه زكاة المال؟ لماذا لم يستغن بالله كما يطلب منا؟ لماذا لا نرى فيه: {وَمَن يَتقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لايَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق).

إن واحداً فقط أو قلة قليلة يشوهون الثوب الأبيض، فإن زعموا قلة الرواتب فليتركوا المكان لمن يعرف شرفه، إذاً، ليس من الرحمة ألا ترفع أمره إلى الشؤون الإسلامية والأوقاف، بل هو تستر على جانٍ يهدم قضية الإيمان، ويشوّه صورة رسل الرحمة والهداية، والعفيف يخفي موعد سفره ولا يتسول به، هل كان النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقبل صدقة من أحد؟ كلا، بل نزه الله النبي وآله عن قبولها لرفعة قدرهم،

يا واعظ الناس قد أصبحت متهما

                                 إذ عبت منهم أموراً أنت تأتيها

تعيب دنيا وناساً راغبين لها

                                 وأنت أكثر منهم رغبة فيها

mustafa@watani.ae

تويتر