أبواب

زمن الصورة

أحمد السلامي

يؤرخ ميلان كونديرا في كتابه «خيانة الوصايا» لتحولات الرواية الغربية، آخذاً في الاعتبار عوالم الموسيقى والتوازي بينها وبين فن الرواية، بينما تقول سوزان سونتاج في كتابها «أبعاد الصورة» إن «كل الفنون ظلت تهدف الى مجاراة الموسيقى، إلا أن الفنون المعاصرة أصبحت تطمح إلى أن توضع موضع التصوير».

ولاشك في أن الرواية الجديدة أقرب ما تكون إلى مجاراة الصورة المتحركة، إذ لم تعد معنية بوصف أجواء الطبيعة وتقلبات الفصول بالقدر ذاته من الإسهاب الذي كانت تمتاز به الروايات الكلاسيكية، إلا أن الحديث عن أننا نعيش زمن الرواية لن يطول كثيراً. بتعبير آخر يمكن القول ان مستجدات «تكنولوجية» طرأت ولم تكف عن التأثير في فعل القراءة بشكلها التقليدي المعني بالتعامل مع الكتاب الورقي، وبالتالي ربما يستمر زمن الرواية ولكن عبر وسائط نشر أخرى بديلة.

في هذا السياق يتساءل الناقد المغربي محمد برادة في مقال عنوانه «القراءة مقاومة»: «ألا تغدو قراءة الكتب الورقية شعاراً للمقاومة نلجأ إليه لممارسة حريتنا في التأمل والتفكير واتقاء إغراءات الثقافة المعلبة؟».

وتتصل التحديات التي تواجه أجناس الأدب المكتوب بتزايد شعبية الوسائط البصرية، من السينما إلى التلفزيون، وصولاً إلى شبكة الإنترنت التي تجاوزت الاعتماد على النص المطبوع إلى استضافة النص المرئي وتسهيل مهمة إنتاجه وليس تلقيه فحسب. أمام تعدد البدائل التي تسمح للإنسان بإشباع حاجاته الوجدانية، أصبحت لدى المتلقي خيارات جديدة، من أهم سماتها أنها لا تلزمه بمغادرة المنزل، حتى إن السينما لم تعد قادرة على الاحتفاظ بالشكل التقليدي في التواصل مع جمهورها، فمن الواضح أن زمن المكوث في دار العرض بدأ يتقلص، لأن فرص مشاهدة الأفلام خارج دور العرض أصبحت متيسرة، سواء عبر شاشات القنوات الفضائية أو عبر وسائط الميديا المختلفة، مثل الحاسوب وأجهزة استعراض الأقراص المدمجة.

المسألة إذن لا تتعلق بصراع الأشكال الأدبية، فليس الشعر هو الفن الوحيد الذي بات يفتقد شغف الجمهور قياساً بتاريخه الطويل في الارتباط بالجماهير. صحيح أن تراجع الاهتمام بالشعر يبدو ظاهرة عالمية، وصحيح أن الرواية تهيمن على سوق النشر، لكن الرواية في ذاتها صورة أو مجموعة صور، ليس بالمعنى الشائع الذي يشخص وظيفة الرواية على أنها إعادة رسم الواقع، بل بالمعنى التشريحي الذي يرتسم في ذهن القارئ تجاه تنامي السرد وتتابع الصور، ولعل اتكاء جوهر الرواية على هذا الملمح يمثل سر بقائها على قيد التداول.

التحولات التي تمضي بمختلف الفنون في هذا الاتجاه نحو التماهي مع الصورة الحسية، انعكست بدورها على الفن التشكيلي، فأصبحت المعارض الدولية لا تخلو من الأعمال التي تستخدم تقنية الـ«فيديو آرت»، ويبدو أن الريشة التقليدية ستجد لها في المستقبل القريب مكاناً في المتحف ومعها علب الألوان وقائمة طويلة بأسماء مدارس الرسم، مع الوضع في الاعتبار أن الرسم بالألوان سيظل لغة متداولة مثلما سيظل الكتاب وسيطاً لنقل المعرفة إلى جانب الوسائط المستحدثة.

أخيراً.. قد لا ينطبق تسارع هذه التحولات على المشهد الإبداعي العربي إلا بدرجات متفاوتة، ولعل الاستجابة العربية في هذا المجال تتمظهر بوضوح في انتشار أغنية الـ«فيديو كليب»، ومهما اختلفنا حولها فإن الأغنية المصورة تسجل لحظة انتقال من مخاطبة الأذن إلى مخاطبة العين، وبالتالي تمثل استجابة للتماهي مع زمن الصورة.

slamy77@gmail.com

تويتر