كل جمعة
كهرباء وصحافة
إذا انقطعت عنك الكهرباء فأنت عملياً تجرب الحياة البدائية لساعات، وحين يعود التيار إلى منزلك وتنعم بالضوء والهواء البارد تشكر توماس أديسون على هذا الاكتشاف المذهل، ولكن إذا لم تجد صحيفة تنشر في اليوم التالي خبراً عن ذلك الانقطاع، وأسبابه، فإن الظلام حينها يصبح أكثر حلكة، لأنك لا تعرف متى تهبط العتمة مجدداً على حياتك، وليس لديك الفرصة الملائمة لمواجهتها بفوانيس الوقود، أو الشموع.
المفارقة المُرّة أن الصحف التي لم تنشر ذلك الخبر قد تكون عانت نفسها من انقطاع الكهرباء عن مكاتبها ومطابعها، ولكن إما أنها لم ترَ في ذلك حدثاً يستحق النشر، أو أنها اعتبرت غياب التيار خبراً سلبياً يجب التعتيم عليه، وتالياً لا حق للقارئ بأن يعرف لماذا انقطعت الكهرباء عن منزله، وهل سيتواصل ذلك، ومتى يعود التيار؟ ثم لا حق له بأن يتخذ احترازات تكفل عدم عطب أجهزته المنزلية، أو فساد طعامه وشرابه!
المشكلة في فهم الدور، والتصرف وفقاً لشروطه، ومتطلباته. فالكهرباء انقطعت خلال الأيام الماضية في الشارقة التي تعيش فيها كتلة سكانية ضخمة من المواطنين والوافدين، ولاسيما العرب، ومثل هذا الحدث طبيعي، ويحدث في كل دول العالم، إما لأسباب فنية تتعلق بأجهزة التوليد، أو الوقود، أو لأعطال مفاجئة، والقضية برمتها خدمية، وهيئة كهرباء ومياه الشارقة واجهت معضلة من هذا النوع العام الماضي، وتمكنت من السيطرة عليها بعد أيام.
عندما نقول إن المسألة خدمية بحتة، فهذا يعني أنها غير مرتبطة بتداعيات خطرة، تجعل النشر أمراً محظوراً أو مكلفاً، ويعني أكثر أنه كان على الهيئة أن تعلن مسبقاً عن توقيت انقطاع التيار، من أجل أن يبحث الناس عن وسائل للتكيف، في شأن يمس حياتهم بقوة وتأثير بالغَيْن، فمعظم الدول المتقدمة تعاني أحياناً مشكلات من هذا النوع، وإذا نشرت صحيفة خبراً عن تداعيات الانقطاع، فإنما هي تمارس وظيفتها الأساسية في نقل الحدث، ويجب على الأقل، أن تجد مصدراً يشرح لها ما حدث.
المتضررون عانوا من التأثيرات المباشرة لانقطاع التيار على حياتهم، وعانوا أكثر من غياب المعلومات حول وجود برنامج لانقطاع التيار أم لا، وما هي المشكلة أصلاً، ومتى تنتهي؟ إذ إن كلمة واحدة في هذا الشأن لم تصدر من «الهيئة»، فكان أن ذهب الجميع إلى التخمين، بعد أن اتخذوا تدابير للتعامل مع الحياة في العتمة والحرّ الشديد.
الأزمة بدأت منذ ليل الثلاثاء الماضي، وأول بديهيات ما يجب أن تفعله «الصحافة التنموية» أن تنشر أسباب انقطاع التيار، ومواعيد حدوثه، وأسماء المناطق السكانية التي يطالها، من أجل التخفيف من حدة الخسائر إلى حد معقول بالنسبة للسكان والمطاعم والمؤسـسات الصغيرة، التجارية والصناعية.
حتى هذا الدور تخلت عنه معظم الصـحف اليـومية المحـلية، من حيـث هـي معنية بهذا الأداء الوظيفي، وتمارسـه يومياً، وكـان يجـب أن تبـادر هـي إلـيه، لئلا تضع نفسها في حرج متابعة الحدث لاحقاً، والكتابة عن معاناة الناس.
الصحافة تفشل حتى في أن تكون «صحافة». وتفشل أكثر في أن تكون «تنموية» إذا هي قررت أنها أداة تعتيم، وظيفتها الأساسية مجاراة العتمة.