أبواب

حوار الأقوياء

زياد العناني

يضعنا المفكر نعوم تشومسكي بين جملة من الاعتبارات التي ربما تكون غائبة أو حاضرة في الفهم السياسي العربي، ونظرته إلى تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. ويؤكد تشومسكي أن سياسة إسرائيل قائمة على عنصر القوة، وأن هذه القوة تتكفل بها الإدارات الأميركية المتعاقبة، رغم أن أفعال إسرائيل تهدد مصالح أميركا في الشرق الأوسط وتحرجها.

ويقول تشومسكي إن الرأي العام الأميركي غائب ومغيب في ما يخص الشرق الأوسط برمته، رائياً أنه لم ينعكس بعد في السياسة الأميركية، رغم أنه انعكس بشكل فعال في الإعلام الأميركي الذي بات يركز على المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة.

غير أن تشومسكي، المفكر وصاحب نظرية النحو التوليدي، وفي جلسة حوارية نظمها مركز القدس للدراسات السياسية وقع في تناقض محير وغريب حين طالب أولاً بالحوار مع إسرائيل حول حل الدولتين، رغم إيمانه بأن إسرائيل مجرد وحش ملطخ بالدماء، وجاهز في أي لحظة لارتكاب جرائم حرب، وغير مستعد للالتزام بأي شرط أخلاقي، ثم يتجاوز هذا الطلب بعد برهة ليطرح مسألة أخرى تكمن في ضرورة عدم الحوار مع إسرائيل، والاتجاه إلى حوار مباشر مع الولايات المتحدة الأميركية بدلاً منها.

هل قصد تشومسكي رسم هذا التناقض، أم ان الأمر مجرد حديث يكشف فيه عن خبايا العلاقة الملتبسة بين إسرائيل وأميركا، من دون أن يفسرها، رغم ان التفسير هو مربط الفرس.

حين يستذكر تشومسكي ما قاله وزير خارجية جنوب افريقيا في عام 1967 للسفير الأميركي «إننا نفهم أنه لا يوجد إلا صوت واحد في الأمم المتحدة هو صوت اميركا»، يشير من طرف قصي إلى أن وزير جنوب افريقيا كان يدرك قوانين اللعبة ويفهم جيداً أن القوة هي المسيطرة بمعنى أن ارادة أميركا هي التي تتحقق أولاً وأخيراً، غير أنه وفي الوقت ذاته، يؤكد ضرورة الحوار مع اسرائيل، رغم أنها تتصرف ضمن سياسة غير منطقية ومدمرة للذات، عائداً بالماضي الى حكومة نتنياهو الأولى في عام ،1996 التي كانت أول حكومة إسرائيلية تستخدم عبارة «دولة فلسطينية»، مطالباً بدعم أميركي فوري لحل الدولتين متبوع بتجنيد الرأي العام الأميركي، على أساس فهم الواقع، وليس بناء على الاشمئزاز من المذابح فقط، مؤكداً ضرورة أن يؤثر الرأي العام في القرارات وليس فقط في التمحور في رفض السياسات.

وبناء على ما تقدم، هل يريد تشومسكي أن نتحاور مع إسرائيل على طاولة ومع الولايات المتحدة على طاولة أخرى ضمن سخرية مبطنة من دور الوسيط؟ وكيف لنا أن نفسر سلوكه في ظل هذا التناقض الصارخ الذي يجعل المرء يشك أنه فهم المراد الحقيقي من شحنة الكلام الذي نخجل حين نقول إنها جاءت بنوايا طيبة ومناصرة لنا، لكنها لم تحمل صيغة سياسة متماسكة، ينتفع بها المفاوض الفلسطيني الذي يحتاج قبل هذا وذاك الى حوار فلسطيني - فلسطيني، ثم إلى حوار فلسطيني عربي وإسلامي، خصوصاً في هذه الظروف التي تحتاج رؤية سياسية ثاقبة وواضحة، ربما تكون أكبر من فعل المناصرة، وتأخذ في الحسبان أن القوة ستظل هي المسيطرة، وأن الحوار لن يتم إلا بين الأقوياء، وما على الضعفاء سوى القبول بكل شيء، أو التوجه إلى حتفهم.

zeyad_alanani@yahoo.com

 

تويتر