أبواب
المباني التاريخية
المباني التاريخية ليست حجارة فقط، إنها تاريخ في الهواء الطلق، وهي بصمة الناس في مسيرة حياتهم، إنها أثر على حياة، أثر ظاهر للعيان يدل على مراحل في حياة الشعوب، وربما نحتاج، على مستوى عربي، إلى الاهتمام بتلك المعالم التي تحكي قصة الانسان، كيف كانت قبل عشرات السنين، تلك العلامات المعمارية التي لا تتوقف عن القول، إنها تقول ماضي أرواحنا، وماضي خطواتنا على الارض، وماضي تفكيرنا، وماضي طفولتنا الشخصية، وكذلك طفولة مجتمعاتنا.
وفي الامارات، جرى تدارك ما يمكن تداركه، في ترميم بعض المباني التاريخية، التي تمثل شواهد على مراحل في تطور المجتمع، ولكن هناك، وللأسف، مبانٍ قديمة طمست، مع أن روايتها لم تكتمل عن الماضي.
مطلب الاعتناء بتلك المباني ليس مرده الارتماء في جوف الماضي، أو القيلولة الحضارية فيه، لكن لكل مبنى معنى، كما هي الحال في اللغة، لذلك كثير من شعوب الارض تترك أثرها للاجيال الجديدة لتقرأ ماضيا لم يكونوا شهودا فيه، إذ لا تكفي كلمات الوصف المرصوصة في بعض الكتب لتنقل حال الماضي وصورة من مراحل المجتمع، أكثر من المبنى التاريخي نفسه الذي يقف ساردا ما تعجز الكتب عن وصفه، لأنه يوفر عنصر المعايشة والقول المباشر.
في الامارات ثمة مبان تعد شواهد، لكنها هدمت في لحظة، من اجل انشاء مبان تجارية، وعلى الرغم من اهمية وضرورة التطوير والتقدم في كل المجالات، ومن بينها التجارية، إلا ان الشاهد التاريخي لا يعوض، اذا هدم، ولا تعوض روايته بأي شكل من الاشكال، وعلاوة على أهميته بوصفه احد العناصر المهمة الدالة على الهوية، وكونه علامة ثقافية وبصمة خاصة للمجتمع، فهو عنصر استقطاب ثقافي وسياحي في الوقت نفسه، يعزز الانتماء، كما يعزز التعريف بثقافة المجتمع ومراحل حياته، ويكشف عن اسلوب الحياة الذي كان في الماضي.
كل هذا، ليس من اجل «تمجيد» الماضي أو إعادة بعثه من جديد في القرن الحادي والعشرين، لكن المعنى يتمثل في ما يقول المبنى.
ويأتي مشروع «قلب الشارقة» الذي أعلنت عنه هيئة التطوير والاستثمار، لتطوير مشروع في المنطقة التراثية وصفته بأنه «الأضخم في المنطقة»، ليؤكد اهمية رواية المباني التاريخية بوصفها شواهد لا تعرف سوى الصدق. ولا يكفي التغني بالماضي، إذ إن التراث المعماري يحتاج الى تشريعات تحميه وتحافظ عليه بوصفه علامة هوية بالدرجة الاولى.
لقد انتظرنا طويلا مبادرة اليونسكو لإنقاذ الشواهد والمعالم الاثرية والتاريخية في الوطن العربي، وكان كثير من تلك المعالم يعاني الإهمال أو النهب أو الهدم أو التخريب. وربما كانت اثمرت تلك المبادرة «صحوة نسبية» لدينا لنهتم بما تبقى من المباني التاريخية والمعالم الاثرية في الوطن العربي.