أبواب

جرائم اجتماعية

خليل قنديل

أعترف بأني شعرت بما يمكن تسميتها بـ«الغيرة الحضارية»، وأنا أقرأ الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء، أول من أمس، عن الطفل الذي لم يتجاوز الثانية عشرة، والذي استطاع أن يحقق حلمه بالصعود الى قمة إفرست. وتعمقت غيرتي حين تصورت الجهات الراعية لرحلة هذا الطفل والمساعدات اللوجستية التي قدمتها جهات عدة له من أجل تحقيق حلمه.

هذه الغيرة أعادتني إلى الآباء العرب الذين يتعاملون مع الأطفال باعتبارهم كائنات مهجنة فائضة عن الحاجة لا يتم التعامل معها إلا بالضرب والإهانة. ويتم التعامل معهم على أساس فرض الهيبة الابوية، ومحاولة ترسيخ الرعب عند الطفل من أجل المحافظة على هذه اللعنة الأبوية المطلوب منها ان ترافق الطفل حتى يهرم ويشيخ.

فبعض الآباء العرب والذين أصبحوا أزواجاً وآباء بمبالغ تافهة نسبياً، يمارسون قسوة سادية على الأبناء والزوجة، ويكون السبب ضعف شخصية الاب في مجاله المهني، أو ضعف إمكانيته المادية التي تجعله يتحول الى غول يأكل ويضرب كل شيء في البيت حتى الاوكسجين المنزلي.

وبعض الآباء الذين صاروا ذكوراً بسبب خطأ بيولوجي ضمن الأخطاء التي ترتكبها صدفة الطبيعة، يتحولون الى شخصيات «مزواجة» همها الوحيد حشر أكبر عدد من الزوجات في مساحة منزلية واحدة، كي يمارسوا بعد ذلك سطوتهم على الأطفال بوحشية نادرة. والتعامل معهم كعبء أزلي معالجته الوحيدة الضرب والكبت.

وبعض الآباء لا يتوانى الواحد منهم عن التعمد في ترك أطفاله عند الآخرين كي تتاح له الفرصة للتمتع مع الزوجة الثانية على اعتبار أن لقب الأب الذي سيؤول إليه في النهاية سيعفيه من كل المسؤوليات التربوية المترتبة عليه.

ولأننا في زمن الفضائيات وثورة الصورة فقد بدأت بعض إشكاليات تعامل الأب العربي أو زوجة الأب العربية مع الأطفال، تظهر كفضائح متتالية تتم الاضاءة عليها والإعلان عنها، بشكل تقشعر له الأبدان.

ولعل القصة الاجتماعية التي أضاءت عليها محطة الجزيرة، أول من أمس، عن الطفل اللبناني الذي تفنن زوج أمه في تعذيبه بشكل يومي بأعتى أساليب التعذيب تقع في هذا الباب الذي نتحدث عنه.

إن جيلاً عربياً كاملاً من الاطفال مازال يتعرض للرعب والترويع تحت حجج كثيرة أهمها الأمراض والعقد الاجتماعية التي تصيب الأب او الأم او زوجة الأب.

إننا بحاجة فعلاً الى جهات مدنية ناشطة قادرة على أن تخلق أدواتها المؤسسية الرادعة ضد كل من يفكر في خدش عوالم الدهشة لدى الكائن الطفل الذي يتشكل كعجينة وسط قسوة عقدنا وموروثنا الأبوي. هذا الموروث الذي مازال يعتقد أن الأبوة هي فرصة لتملك الطفولة ومحقها وممارسة كل الأشكال العدوانية عليها.

khaleilq@yahoo.com

 

تويتر