أبواب

شاعر يعلن موته

أحمد السلامي

هو الشاعر الجزائري المشاغب عادل صياد، الذي أقام الخميس الماضي مراسم دفن تجربته الشعرية في حديقة منزل أسرته بمسقط رأسه في تبسة الجزائرية!

جمع أعماله المطبوعة والمخطوطة ووضعها بداخل قبر صغير، كتب على شاهده «هذا ضريح شعر عادل صياد 20/5/2010».

كان حدثاً غريباً وحزيناً شهده عدد من الشعراء والإعلاميين الذين ظهروا في مقطع فيديو وهم يترحمون على تجربة شعرية عمرها ربع قرن.

غير ان صاحب هذه الميتة الإبداعية المجسدة لم يدع للمتابع أي مجال لإطلاق تأويلات نقدية لواقعة إعلانه عن موت شعره، إذ جعل الأمر يبدو كأنه قرار شخصي غير معني بالاتساق مع مقولات رائجة عن نهاية زمن الشعر، فبدا الموقف أقرب ما يكون إلى الاحتجاج ضد أداء ساحة شعرية محلية تختص بها الجزائر وحدها، وسبق ان اشتهر صياد بإطلاق توصيفات تعتمد الصراحة في النظر إلى علل المشهد الأدبي في بلده، وله مواقف حادة تجاه الشعراء الذين يصفهم «بالمكرسين من قبل المقاولات المحتكرة لسوق الشعر وصفقاته». قال الشاعر المستقيل من الشعر في مقابلة قديمة إن «العالم لم يعد بحاجة ضرورية إلى الكائنات التي تكتب الأدب بقدر ما هو بحاجة إلى كائنات أخرى هي صانعة مجده الحالي»، لكنه لم يشأ أن تكون هذه الرؤية منطلقاً لإعلان حالة الفراق مع الكتابة الشعرية.

وفي بيان مقتضب سبق مراسم الدفن وقّعه بصفة «شاعر سابقا»، يبرر هذه الخطوة بقوله «سعادتي كبيرة باتّخاذ قرار وأد الشّعر جرّاء الأضرار الجسيمة التي ألحقها بي.. وليس مطلوباً منّي أن أبقى شاعراً مدى الحياة».

الواقعة تذكرنا بحالة اعتزال مماثلة أعلنها قبل عامين الشاعر اليمني عمار النجار في أربعة سطور موجزة، ولعل المشترك بين الحالتين هو الشعور بالسعادة.

قال النجار آنذاك «كل ما كنت أتمناه أن يمسح اسمي من ذاكرة الجميع في ارتباطه بصفة الشاعر.. وأعبر عن بهجتي البالغة بهذه القناعة المطمئنة التي عثرت عليها الآن في آخر سطر من دفاتري».

تستحق مثل هذه الانسحابات الاختيارية أن ينظر إلى أصحابها باحترام لشجاعتهم في مغادرة جنة الشعر وجحيمه، واللافت أن الذين يترجلون من قطار القصيدة في حياتهم ليسوا من ذلك النوع المتطفل على الشعر.

وثمة ما يغيب عن بال كثير من الشعراء المهمومين بقضايا لا علاقة لها بالإبداع، مثل التحقق والانتشار الجماهيري والمشاركات الخارجية في المهرجانات، فهذه شؤون اجتماعية تتحكم فيها منظومة من العلاقات الشخصية والأداء الارتجالي للمؤسسات ومتعهدي الحفلات، ولا يمكن أن نقيس مستوى تجربة شاعر من خلال احتساب عدد مشاركاته في المنصات التي تتوارث المجاملات ولوائح الأسماء التي تحترف السفر.

ما يؤسف له، وما يمكن أن يعجل بانقراض الشعر بالفعل، هو أن 90٪ من الشعراء يتحملون مشقة طباعة كتبهم على نفقتهم الخاصة، وفي دور نشر تحولت إلى دكاكين معنية بالطباعة من أجل الكسب المادي فقط، من دون أن تهتم بانتقاء ما يستحق الطباعة، ومن دون أن تتكفل بمهمة التوزيع أيضاً، فصار على الشاعر أن يكتب ويدفع نقوداً للمطبعة ويحمل كتبه على ظهره ويوزعها بنفسه في محيط ضيق لا يتعدى الأصدقاء! لهذا السبب يحق له أن يبتهج باعتزال كل هذه المتاعب.

slamy77@gmail.com

تويتر