يا جماعة الخير

لا تقل مرض النهاية.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

سأل سيدنا موسى ربه: يا رب ممن الداء؟ قال: مني، فقال: وممن الشفاء؟ قال: مني، قال يا رب فما فائدة الأطباء؟ قال سبحانه: يأكلون أرزاقهم ويطيبون خواطر عبادي إلى أن يأتي شفائي أو قضائي.

فكم من صحيح مات من غير علة وكم من عليل عاش حيناً من الدهر

هذه حقيقة لابد أن ننتبه إليها، حتى لا نصدق الوهم بأن مرضاً بعينه هو نهاية الحياة مهما تكررت عواقبه، أو أن حادثاً مروعاً محال أن ينجو منه أحد، لا لأننا بالأمس رأينا طفلاً ينجو من حطام طائرة، ولا لأننا نعرف عشرات المئات أصيبوا بأخطر الأمراض الفتاكة وقد مرت سنوات وسنوات وهم على قيد الحياة، وإنما لأن لنا عقيدة دينية أن الموت هو أجل محدد من قبل ميلاد الإنسان، كررها الخالق سبحانه في سورتين بالألفاظ نفسها: {..فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (النحل61)، و(الأعراف 34)، وثالثة في سورة يونس49 {..إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}، وعند الموعد يأتي ملك الموت ليقول للمحتضر: لم يبق لك على وجه الأرض طعام ولا شراب ولا أنفاس، وأنت مُدْرَجٌ في المنتقلين اليوم إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر إن كنت ممن عمل له.

نحن نؤمن بأن ملك الموت حين خصه الله بقبض الأرواح قال: يا رب يكرهني الناس! فأجابه سبحانه: إني سأجعل لكل مِيتةٍ سبباً فلن تُذكَر.. وصدق الله، نقول: مات بسكتة أو فشل أو ورم أو هبوط أو حادث، وتغيب عنا حقيقة قالها الشاعر قديماً: من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد

فليس من الإيمان أن نتشاءم بمرض بعينه، فكم عاش ألوف من مرضى القلب والسرطان لما لم يبلغوا الأجل، بينما يموت مريض ببرد عابر حان معه أَجلُه، هذا طريق وهذا طريق، ولو التقيا فلا لأن أحدهما مرتبط بالآخر، وإنما كما يلتقي البحران، هذا عَذْبٌ وهذا أُجاج، جمعهما من قال: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} (فاطر12).

نحن نؤمن بأن التداوي فرض، وتاركه آثم مخطئ مقصر، لأن نبينا قال: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ فَإِن اللهَ عَز وَجَل لَمْ يُنَزلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً إِلا الْمَوْتَ وَالْهَرَمَ (أي كبر السن)» (مسند احمد)، ونؤمن بقوله صلى الله عليه وسلم:«عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبةِ السوْدَاءِ (الشونِيزُ) فَإِن فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُل دَاءٍ إِلا السامَ». وَالسامُ الْمَوْتُ. (البخاري).

من جهة أخرى لو كان الطب يطيل الأجل أو يرد الموت فأين فطاحل الأطباء؟ ولله ما قال أبوالعتاهية:

إِن الطَبيبَ بِطِبـــــــــــــه وَدَوائِـهِ لا يَستَطـيعُ دِفاعَ مَكروهٍ أَتى

ما لِلطَبيبِ يَموتُ بِالداءِ الذي

قَد كانَ يُبرِئُ جُرحَهُ فيما مَضى

ذَهَبَ المُداوِي وَالمُداوَى وَالذي

جَلَبَ الدَواءَ وَباعَهُ وَمَنِ اِشتَرى

فالموت لم يأت به المرض، والعمر لم يُطِله الحذر، مساران مختلفان ،وإنما يذكرنا الله بالموت عظة، ليستعد الإنسان له في أية لحظة بأداء ما عليه، لا ليفر منه.

mustafa@watani.ae

تويتر