أقول لكم

محمد يوسف

المناهج الدراسية لا تصنع العلماء والقيادات، ولكن البيئة السليمة هي التي يمكن أن تحقق ذلك، فالذين سبقونا، من اكتشفوا الذرة واخترعوا كل هذه الآلات المحيطة بنا، أولئك الأشخاص ليسوا أسرى مناهج غير مناسبة، لم يشتكوا، ولم يتباكوا، ولم يؤجلوا مشروعاتهم حتى تنقح المناهج، هم أخذوا من العلم ما ينفع، وتركوا ما لا ينفع، وهم استثمروا ما عرفوه من أجل التطور، ولم يقيدهم ويجمد حركتهم ما درسوه. في المدارس الدينية درس بعض رواد عصر النهضة، ولم يشتكوا من تزمّت نصّ أو رجعية مادة من المواد المفروضة عليهم، فاستمعوا إلى مدرسيهم وتجاوزوا نسب النجاح فيها، وتفوقوا في العلم الذي أحبوه، وجاء الإصلاح بعد ذلك، مرحلة تتلو مرحلة، وحاجة تتقدم على حاجة، لم ينسفوا كل شيء، ولم يهدموا الأنظمة المستقرة على رؤوسهم ورؤوس من معهم في المجتمع باسم التطوير، الخطوة تلاحق الخطوة، وما عابوا زمانهم عندما كان العيب فيهم، فهم جزء لا يتجزأ من ذلك الزمان، ولولا ما توافر لهم من علم وفرص تعلم وبيئة طبيعية لاكتساب المعرفة من الذين سبقوهم، ما تسنى لهم أن يكونوا تلك الأسماء التي يشار إليها بالبنان، وما كان العالم كله سيحفظ لهم ذلك الجهد الذي قدموه خدمة للبشرية، وقد مرت علينا قصص بعضهم، ومنهم من كان يسمع عن مكتبة في أقصى الدنيا فيرتحل إليها حاملاً رغبته في الاطلاع والتعلم، ومنهم من سمع بأستاذ في بلاد أخرى، فذهب إليه عارضاً خدمته مقابل أن يجلس في حلقته الدراسية، ومنهم من يقال إنه وجد مدفوناً تحت الكتب، بعد أن أحدث خللاً في صفوفها المتراصة وهو يطلع عليها بحثاً عن علم يستزيد به من هنا وهناك، لا هذا انتظر أن يأتيه العلم، ولا ذاك توقف حتى تعلم المناهج، ولا الثالث أحرق الموجود حتى يتمكن من وضع علم خاص به يفرضه على الجميع، فالدنيا هي التي تتطور، والحاجة هي التي تفرض نفسها، والبيئة السليمة هي التي تخرج العلماء والعباقرة والمبدعين.

myousef_1@yahoo.com

تويتر