‏يا جماعة الخير‏

‏تمهّل قبل توقيعك.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

‏اشترى الرجل خط هاتف نقال من محل عام، ووقّع على ورقة عقد، ولم يلفت انتباهه وجود مساحة فارغة بين الكتابة وسطر التوقيع تتسع لخمسة أسطر، وبعد أيام فوجئ الرجل بمطالبته بإيصال أمانة بمبلغ مائة وخمسين ألف درهم وعليه توقيعه، حيث تبين أن العامل المسؤول عن البيع في محل الهواتف استخدم تقنية الكمبيوتر لطباعة صيغة الوصل على المساحة المتروكة، ومن ثم قص الإيصال الذي أصبح ورقة قانونية سليمة لا مجال للطعن فيها. سأل عن أبرع المحامين ليسلك طريقاً طويلاً أقل تكلفته آلاف عدة أتعاباً للمحامي، وآلاف عدة للمزوّر للتصالح معه، فقال لمحاميه كمداً أين القانون؟ فأجابه: القانون يطبق في موضعه ليدفع من وقّع على ورقة فارغة ثمن غفلته، ولا تؤاخذني فقد صدق من قال القانون لا يحمي المغفلين! فقال الرجل أصادفك مثل قلة الضمير هذه؟ قال بل هذا أقل ما صادفني، فإن إبليس بتاريخه العريق ليقف مبهوراً متتلمذاً على أبالسة الإنس الذين فاقوه في الضلال والتضليل، ذات مرة أتاني رجل فقير فقال: كنت مديناً بألف درهم لزميل، وضاق بي الحال فلجأت لكفيل وقور غني ليؤثر في الدائن، فجمعنا معاً وحاول التوفيق بيننا فالتزمت بالدفع بعد شهر فحكم الكبير بأن أحرر شيكاً من دون تحديد مبلغ فيه، بحيث يضاعف المبلغ لو تأخرت عن السداد فامتثلت، لكني تأخرت يوماً عن الموعد فحرر الكبير الشيك بمبلغ ألفين، وهددني فاقترضت ودفعت الألف وأخذت الشيك ومزقته بيدي، وبعد أسابيع فوجئت بشيك عليه توقيعي مستحق الدفع بمبلغ مائة ألف، وجئتك لتثبت التزوير، يقول المحامي: فسلكنا طريق الطعن بالتزوير حتى فاجأنا تقرير المعمل الجنائي بأن التوقيع صحيح، وأن السداد لازم مع توابعه القانونية، يقول المحامي: أُسقط في يدي وأحسست بالعجز فلجأت إلى محامي الخصم أناشده بحق القانون أن نصل إلى تصالح، وبعد بحث تبين التالي:

الكبير كتب شيكاً بالألفين غير الشيك الحقيقي، وقلد عليه التوقيع وهدد به المدين، ولعلم المدين أنه حرر شيكاً بالمبلغ لم يتحقق من توقيعه على الشيك فسلم به ودفع ومزقه، بينما كان الشيك الحقيقي في حوزة إبليس الكبير الذي دخل للتوفيق، وبعدما خرج الدائن من الموضوع بتسلم الألف المستحقة له، لعب إبليس لعبته القذرة بشيك عليه التوقيع الحقيقي.

إذا الإيمـان ضاع فلا أمان          ولا دنيا لمن لم يحي دينا

ومن رضي الحياة بغير دين        فقد جعل الفناء لها قرينا

جلس الرجل مع إمام المسجد يقول أين الدين؟ هذا الإبليس لا يترك صلاة ولا عمرة فقال الشيخ: الدين بخير لكن قل أين المتدينون؟ فكل الديانات نزلت بمكارم الأخلاق، شهد رجل لرجل بالخير في مجلس أمير المؤمنين عمر، فسأله عمر: هل أنت جاره الأدنى؟ قال: لا، فهل رافقته في سفر؟ قال: لا، فهل عاملته في الدرهم والدينار؟ قال: لا، فقال عمر: اجلس أيها الرجل الطيب فإنك لا تعرفه، لعلك رأيته يتمتم بقراءة القرآن فظننت أنه رجل صالح.

العبرة بأثر العبادة في السلوك وليست فقط بمظاهر العبادة، فلا توقع من دون تدقيق ولو كنت توقع لنفسك.‏

mustafa@watani.ae

تويتر