‏أبواب‏

‏الكتب الممنوعة‏

زياد العناني

‏تصر دور النشر في الوطن العربي على معنى دورها الحضاري في ترويج الثقافة والإبداع، وتؤكد في كل مناسبة أن هذا المعنى يأتي في المرتبة الأولى في سلسلة تطلعاتها وأهدافها الثقافية.

غير أن القرار الذي اتخذته هذه الدور، أخيرا، بعدم ترويج الكتب الممنوعة يؤكد أننا أمام دور نشر تتماهى مع القرارات الحكومية وتنصهر فيها وتقف معها تحت يافطة واحدة، قد تجعلها بلا دور سوى المتاجرة في كد المبدعين وبلا غاية من وراء عملية النشر سوى المرابحة ونبذ كل ما لا يتلاءم مع مصالحها التي تظهر الآن، وهي غير مؤهلة لاحتضان الإبداع أو حتى المجازفة بتسويقه في زواياها الخاصة أو المتفق عليها مسبقا مع الدوائر الحكومية.

حين يقول أحد المتنفذين في اتحاد الناشرين، إن الاتحاد لن يكون طرفا في بيع أو إدخال كتب ممنوعة ضمن قوائم الكتب المفترض أن تشارك في معارض الكتب العربية، ينسى أو يتناسى أن قرارمنع بعض الكتب لم يأتِ من دوائر المنع في الدول العربية كافة، حتى تطبق الوحدة في هذا المجال فقط بل إنه مجرد قرار يخص دولة محددة وغير ملزم لبقية الدول، وقد تكون بقية الدول غير معنية بهذا القرار بدليل أن معظم الدول العربية وعلى رأسها السعودية لا تأبه لقرارات المنع المتخذة من قبل غيرها إلى الحد الذي يمكن أن نرى فيه أن جامعة الملك عبدالعزيز، مثلا، تقتني الكثير من الكتب الممنوعة وتعرضها على الموقع الذي يخصها ربما لأنها لا ترى فيها ما يسيء إلى الإسلام أو المجتمع أو السلم الأهلي، وربما لأنها قررت أن تكون مع فعل المثاقفة أولاً وأخيراً.

كان على اتحاد الناشرين أن يتصدى للكتب الممنوعة التي تندرج في إطار ما يسيء منها إلى الذوق العام مثل كتب السحر والطبابة الكاذبة أو كتب الجنس المباح، ويستثني الكتب السياسية أو الفكرية التي تندرج في اطار الممنوعات لمجرد أن جهة ما لا تعجبها بعض الأفكار المطروحة في هذا الكتاب أو ذاك، لاعتبارات كثيرة، منها الخوف على هشاشة وجودها، ومنها الوصاية على عقول رعيتها، ومنها أنها لم تعد تفرق في التعامل ما بين الكتب وما بين المواد المخدرة أو الأسلحة المهربة!

لا أحد يدري أين ذهبت الادعاءات الكثيرة التي تتحدث عن ترويج الكتاب ودعم صناعته، وبناء على غياب هذه الادعاءات لابد من مقاطعة معارض الكتب ودور النشر التي انساقت وراء بعض الحكومات، وصارت تحجر على الكتب كما لو أنها من ضمن الأوبئة، والاكتفاء بالقراءة الالكترونية خياراً متاحاً وغير مكلف وغير ممسوس بلعنة المنع على الهوية والمنع المزاجي والمنع قبل القراءة والمنع بعدها.

وأخيراً.. هل يعلم الرقيب العربي أن مفردات المنع أو الاقصاء، وكذلك الحظر، تسيء إليه أكثر مما تسيء إلى الثقافة العربية؟ وهل تعلم دور النشر العربية أيضا أنها تشارك الرقيب في عدم وضوح الرؤية والمعايير ومصادرة حرية الفكر، إضافة إلى وقوفها ضد حرية التعبير بعد أن غرر بها وانحازت إلى مصالحها الآنية فقط؟‏

zeyad_alanani@yahoo.com

 

تويتر