‏يا جماعة الخير‏

‏لا تهرب من عزائي.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

علم الرجل وهو في عمله بوفاة جاره وعلم أن الصلاة عليه بعد صلاة العصر، وبين خروجه من العمل وصلاة العصر ساعتان، وكان قد وعد أطفاله باصطحابهم إلى صالة الألعاب بعد الغداء، فهداه فكره إلى عدم العودة إلى بيته حتى لا يتورّط في تشييع الجنازة، وأوصى زوجته بألا تُخبر أحداً بعلمه بالوفاة، وأن تحضر الأطفال إليه بعد الغداء إلى الحديقة، وراح يتسكّع بعد غدائه في المطعم حتى لحق به الأولاد.

وفي المساء ذهب إلى العزاء بعدما تقمّص وجه الذي فاجأه الخبر، ومن دون أن يشعر أقسم بالله بأنه ما علم إلا الآن وأنه بمجرّد علمه ترك كل شيء. ترى كم جنى هذا الحبيب؟ أولاً: قصّر في حق الجار الذي أوصى جبريل به حتى ظن النبي أنه سيورثه، ثانياً: قصّر في دوره عند مُصاب جاره وهذا أمر آخر فقد كان ينبغي أن يكون أسرع الناس وقوفاً لترتيب الجنازة واستقبال الناس،لأن الوفاة تذهل الأهل فيحتاجون إلى من يتحرك عنهم، ومن أولى وأقرب من الجار؟ ثالثاً: توارى عن النظر متخفياً متسكعاً في تعبير صارخ عن تعطّل المروءة والشهامة، رابعاً: أقسم بالله كاذباً مرتين، مرةً على أنه لم يعلم إلا وقتها، ومرةً على أنه بمجرد العلم جاء، يظن أنه بالأيمان الكاذبة يغطي تلك الزلات، لكن هيهات هيهات، فنظرات الواقفين في استقبال المعزّين دلت على عدم تأثرهم لا بغيابه ولا بقدومه، وكأن حالهم تقول لا تعتذر ولا تقسم فلم نشعر أصلاً بك، إنما يُفتقد من تعوّد الحضور. ورحم الله الشافعي لما قال:

إني معزيك لا أني على ثقة    من الخلود ولكن سنة الدين

فما المُعزَى بباقٍ بعد ميته    ولا المُعزِي وإن عاشا إلى حين

العزاء كما يقولون واجب، وكأنهم استعاروا لفظ الوجوب من مصطلحات كتب الفقه كوجوب الصلاة والزكاة والصيام، والمقصّر فيه يطعن في مروءته، وهو حق الإنسان على أخيه الإنسان حتى لو كان على غير ديانته، ألم يقف رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم لجنازة مرّت عليه؟ فقيل يا رسول الله إنها ليهودي فقال: أليست نفساً خلقها الله؟ أما المسلم فحقوقه على المسلم ستة أوجبها الدين: السلام عليه واجب عليك وحق له كلما لقيته، تلبية دعوته واجبة، لو طلب نصيحتك اصدقه لأنها أمانة وكتمانها خيانة، وإذا عطس فقال الحمد لله واجب أن تقول له: يرحمكم الله حتى يردّ بدعائه لك: غفر الله لنا ولكم، وإذا مرض تجب عليك زيارته، وإذا مات يجب أن تصلّي عليه وتتبعه إلى مثواه الأخير، ففي الحديث: «حَق الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِت قِيلَ مَا هُن يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشمتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتبِعْهُ» (رواه مسلم). فمن تشاغل عن واجباته نحو الناس تشاغل الناس عنه فكل حق يقابله واجب، فافعل ما شئت كما تدين تدان.

 

المستشار التربوي لبرنامج  «وطني»

mustafa@watani.ae

تويتر