‏كل جمعة‏

«مسخن» فلسطيني‏

باسل رفايعة

‏وجد خبر رغيف «المسخّن» الفلسطيني الذي يسعى إلى دخول موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية العالمية، مكاناً متقدماً له بين الأخبار الضارة، وغير السارة هذا الأسبوع. وأظهرت التعليقات الإلكترونية العربية مجدداً أننا نستكثر على الشعب الفلسطيني كل شيء. باختصار نحن نصرّ على تحنيطه في تلك الصورة المنكوبة، ولا نريده إلا شهيدًا أو لاجئًا لكي يكون جديرًا بالهتاف والدموع، أو بالأحرى ليكون لائقًا بأكاذيبنا ومزايداتنا التي لم تنفعه يومًا.

قطر رغيف «المسخّن» كان أربعة أمتار، ووزنه 1350 كيلوغراماً، واحتوى على 500 دجاجة، و700 كيلوغرام من البصل، وأعدّه سكان قرية عارورة قرب رام الله في الضفة الغربية على هامش «مهرجان الفرح» الإثنين الماضي. وسبق ذلك سعي فلسطيني إلى دخول «غينيس» من خلال إعداد أكبر صحن «كنافة نابلسية» وأكبر ثوب وطني مطرز في الخليل.

تزامن الخبر مع احتفالات إسرائيل بالذكرى السنوية الثانية والستين لقيامها، وفقًا للتقويم العبري، أي ذكرى نكبة فلسطين المستمرة التي نتذكرها كل عام، وننسى شعباً يحاول أن يحيا مثل سائر الشعوب في وطنه المحتل، وفي منفاه القسري. نستغرب أن يحتفل بتراثه وفولكلوره المحلي، كأنه لا يستحق الاحتفال إلا في جنازات الشهداء.

لقد أعدّ المصريون أكبر «قدرة» فول، وأنشأ الطهاة في هونغ كونغ أضخم مأدبة طعام في العالم، تحلّق حولها أكثر من 14 ألف شخص، وحضّر المغاربة قبل أعوام أكبر طبق «كسكس»، وفي ذلك كله زهو طبيعي بتقاليد شعوب، وبتراثها. وأن يذهب الفلسطينيون في هذا الطريق لا يعني أنهم نسوا قضيتهم، أو تجاهلوا ذكرى ضياع بلدهم فانهمكوا في رغيف «مسخن».

ففي باب الإساءة إلى الفرح، والسخرية من شعب بأكمله، قرأتُ أن رغيف «المسخّن» جاء ردًا على احتفالات إسرائيل بإحياء ذكرى قتلاها الذين ماتوا على يد الفلسطينيين والعرب. وأسوأ ما قرأت كان تعليقًا دعا إلى فتح بيوت دائمة للعزاء في شهداء النكبة، بدلاً من التباهي بالمطبخ الفلسطيني. وللقارئ أن يتخيل أن وراء هذا الأذى عرباً، يخاف كثير منهم مجادلة شرطي مرور في مخالفة سير، ويجدُ ببساطة أن من حقه المزايدة على شعب صمد 62 عامًا تحت همجية إسرائيل ووحشيتها، وقاتلها وجهًا لوجه بالحجارة والعصي والفؤوس.

الذين ساهموا في إعداد «المسخّن» و«الكنافة»، واللواتي طرزن الثوب، يعيشون في فلسطين، ويذهب أولادهم إلى المدارس، مرورًا بالدبابات والمتاريس والمستوطنات، ومقابر أطفالهم على تخوم القرى. وعلى من يعيش بعيدًا عن هذا الجحيم اليومي ألا يستنكر عليهم فرحًا يؤصل التراث الفلسطيني، ولو في طعام أو ثوب.

من حق الفلسطيني أن يقول للعالم إنه لا ينسى موروثه وماضيه، ويودّ لو يعيش في فرح دائم، فهو ليس منذورًا للسلاح والرصاص والقتال، وأطفاله ليسوا انتحاريين مؤجلين، ونساؤه لا يزغردن فرحاً عندما يموت أبناؤهن شهداء، كما تروج لذلك آلة الدعاية الإسرائيلية.

من حقه أن يقول للعالم الذي لا يسمع سوى صوت بنيامين نتنياهو، إن ثمة بشرًا يتعرضون إلى مذابح وحرائق، وهم مثل أي بشر في كل مكان يتوقون إلى الاحتفاء بالحياة، بدلاً من قدرهم التاريخي في مواجهة الموت والتشريد.

 

 

 

baselraf@gmail.com

تويتر