‏أبواب‏

‏ كتب الديكور‏

أحمد السلامي

‏‏في آخر زيارة إلى مصر، وفي الطريق من المطار إلى زحام شوارع القاهرة، أخذت الرحلة وقتاً لا بأس به، غير أن التعارف مع الصديق الذي كان في استقبالنا لم يتطلب وقتاً طويلاً.

حرص الرجل على الإفصاح عن وظيفته مترجماً وناشراً، حتى لا نظن أنه مجرد سائق يؤدي واجبه. إنه طاهر البربري صاحب الترجمة البديعة لرواية «إله الأشياء الصغيرة» لأرونداتي روي.

لم يكن البربري كهلاً ليلقي علينا حكماً ونصائح موجزة، بل شاباً يتعايش مع زحام القاهرة بفائض حيويته وبالأغاني القديمة لصالح عبدالحي، إذ اعتاد أن يبقي على أغاني عبدالحي جاهزة للتحليق في أجواء السيارة وكان جهاز المسجل في سيارته أشبه ما يكون ببندقية مشحونة بذخيرتها على الدوام، لكنها هنا ذخيرة سمعية لا يكف المرء عن التمايل مع أنغامها ومواويلها.

من فكرة إلى أخرى في حوار التعارف، قال طاهر عن خبرة ودراية، وهو يتحدث عن القراءة، إن المثقف الشاب يظل يتخبط سنوات عديدة قبل أن يتمكن من ترتيب أولوياته ويكتشف ما الذي يستحق القراءة. ظلت عبارته ترن في رأسي إلى اليوم، وأنا أقارن بينها وبين ما يقوله البعض بفخر عن أنه يقرأ كل ما يقع بين يديه.

في سياق غير بعيد عن ما قاله البربري، عثرت على مقولات أخرى أجزم بأن لها وقعاً كبيراً على كل قارئ، ومن شأن التأمل في فحواها أن يجعل المرء يعيد ترتيب مكتبته الخاصة من جديد لإزالة الأعشاب الضارة من الأرفف الملبدة بالغبار.

يقول الكاتب اللبناني غسان جواد: «كل مكتبة في بيت هي فضيحة لصاحبها، تفضح جهله أكثر من معرفته، وكل كتاب ناقص من المكتبة نقطة ضعف كبيرة في هواية لا تنتهي طالما أنك على قيد الحياة».

أما الشاعر فيدل سبتي فيقول «في السنوات الماضية صدر عدد كبير من المجموعات الشعرية عن دور نشر لبنانية وعربية لشعراء لبنانيين وعرب. بدأت بقراءتها كلها. بعضها وصلتُ إلى القصيدة الأخيرة منه، وبعضها لم أتمكن من الوصول إلى منتصفه، بعضها قرأته مرة ثانية وثالثة في ما بعد، والجزء الأكبر منها رميته بين الكتب في المكتبة ليتحول إلى جزء من ديكورها».

كتب الديكور ـ والكلام لايزال على لسان فيدل ـ هي تلك التي أشعرني كاتبها بأنه يستسهل كتابة الشعر وبأن الاستسهال هو الذي دفعه إلى الكتابة. وكتب الديكور الشعرية هي التي لم أشعر بصوت خاص لصاحبها أو لم أشعر بثقته هو نفسه بشاعريته وبما يكتب وينص. القصائد التي قرأتها مرات ومرات هي التي دفعتني إلى الشعور بالغيرة والحسد. الشاعر الذي حسدته على قصيدة أو على صورة شعرية خاصة ومتفردة هو الذي احتفظت بكتابه.

انتهى كلام فيدل، فيا ترى ما الذي سيتبقى في مكتباتنا الخاصة لو قام كل واحد منا بإحصاء كتب الديكور المحشورة في مكتبته؟‏

slamy77@gmail.com

تويتر