‏يا جماعة الخير‏

‏لا تكتفِ بيومٍ لليتيم ..لو سمحت

مصطفى عبدالعال

‏رحم الله شاعراً يستعطف ربه يوم عيد فقال:

وفي العيد عادات الكرام وقد جرت        ببر اليتـــامى وافتــــقاد الأرامــــل

وإنك أولى بالمـــــــكارم منهـمُ              وأجزل بالإحسان من كل بازل

يستعطف ربه بالقواعد الثابتة عند البشر، فطبعهم الفطري بر اليتامى، فهل مازال البشر على فطرتهم وعلمهم بحق اليتيم؟ جميل أن نجعل يوماً لليتيم، لينظر أحدنا إلى يتيم جاره أو يتيم زميلٍ أو قريب ربما تأمل لحظة رحيله فظن في حزن أهله حماية أيتامه. نعم عرفَ اللغويون اليتيم بأنه من فقد أباه وهو دون البلوغ، ومن فقد أمه يُعرف بالعَجٍيّ، وكلاهما يتيم، بل ربما كان العجي أحوج إلى لفتات الحنان من خالة أو عمة أو قلب صَادِقَةٍ من قريب أو بعيد.

من ينكر أننا شُغلنا حتى عن أولادنا فيتمناهم في حياتنا فكيف بيتامى العائلة والجيران؟ وهنيئاً لمن ادخروا لأولادهم الخير بكفالة يتيم بالنفقات، لكن جبر خاطر اليتيم بكلمة أو مسحة على شعره يفوق ذلك بكثير، رغم أنها لا تكلف ولا حتى القليل. لذلك أوصانا صلى الله عليه وسلم بهذا الحنان كلما رأينا يتيماً، فقال: «مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلا لِلهِ كَانَ لَهُ بِكُل شَعْرَةٍ مَرتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ في الْجَنةِ كَهَاتَيْنِ»، وَفَرقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السبابَةِ وَالْوُسْطَى، (رواه احمد)، وآه ثم آه ممن استخف بيتيم فأكل حقه أو أهانه، فتلك امرأة تربي أيتاماً وتسكن حجرة خدمات بجوار قصر منيف، وأطفالها كل يوم يشهدون الطيور تلتقط من عناقيد العنب في قصر جارهم الغافل عنهم، فيسألون أمهم: متى نأكل العنب؟ وهي تهرب لعجزها عن إجابة سؤالهم، فلما ألحوا استقوت على حيائها ووقفت بباب القصر في ارتياب واحمرار وجه، فرآها صاحب القصر على حالها فهفت نفسه إليها، ولما علم طلبها وجده الفرصة لنيلها فأبت ورجعت كسيرة باكية، وعبثاً حاول الأولاد معرفة السبب، وسرعان ما عاودوا طلب العنب، فما كانت تجيب بغير البكاء، ومرة قالت: والله يا أحبابي أشتاقه مثلكم، فصبراً لعل الله يرزقنا حلالاً. فتركت عبارتها أثراً في نفس ولدها الأكبر، رغم أنه لم يتجاوز العاشرة من عمره. وفي اليوم التالي فوجئت به يدخل عليها مضطرباً باكياً كسيراً ذليلاً، فطر قلبها بمنظره، وسرعان ما علمت بأنه من أجل كلمتها وقف بباب جارهم اللعوب وطلب منه قطفاً من العنب لأمه وإخوانه، ولكن المغيب أراد إذلال الأم، فزجر ولدها وأهانه، فلم تحتمل الأم فرفعت يديها بعجزها وبحرقتها إلى المنتقم الجبار صارخة صراخ صاحبة حق تطالب به، قائلة: اللهم اكسر خاطر من كسر خاطر اليتيم.. وكأن أبواب السماء فُتحت من أجلها فنزل غضب الله مدراراً.. وفي اليوم نفسه سلط الله جنداً من جنوده، جلطة ما أتفهها، فسقط عاجزاً من ظن أنه الغني القوي، ودوى صوت الإسعاف وهرول الخدم وفي ساعات خلت الدار. ويوماً بعد يوم ساءت الحال وتوقفت الأعمال وغادر العمال وسبحان مغير الأحوال.‏

تويتر