‏يا جماعة الخير‏

‏زوجتك أولاً ثم أولادك..لو سمحت‏

مصطفى عبدالعال

لم يكتمل العام على زفافها لرجل يشهد الكل بسمو خلقه حتى هجرها بأدب، فلم تجد بداً من العودة إلى بيت أبيها لتعاني مرة أخرى من غلظته وانفعالاته الدائمة، رغم تفرقته في المعاملة بينها وبين أمها، لكنها ما كان يرضيها تدليله لها وإهانته أمها. إلا أن بيت والدها الذي كان يهدأ نسبياً كلما غادره الوالد الكريم لم يعد يعرف الهدوء، بعدما أقام فيه أخوها الأكبر الذي نجح أهل زوجته في تطليقها منه بعدما فقدت معه طعم الراحة والأمان، وما كان الشجار يكاد ينقطع بين أبيها وأخيها الذي تجاوز الحد في تطاوله على أبيه. أصيبت الأم بانهيار لما تأكدت من فقدان بنتها لزوجها، كابنها الذي فقد زوجته، وما كان من الوالد إلا أن غادر البيت زاعماً أنه فاض به الكيل، وما عاد قادراً على تحمل البقاء في هذا الجو الكئيب، وترك امرأته بين الحياة والموت من دون تفكير في أنه راعٍ ومسؤول دنيا وآخرة عن رعيته. اجتمع الولد مع أخته حول أمهما في محاولة لإنقاذها مما وصلت إليه، وقال الطبيب: إنها صدمة عصبية تحتاج مع بعض العقاقير إلى تغيير الجو النفسي فاصطحب الولد أمه وأخته إلى بيت الله الحرام.

وبعد العمرة والشرب من زمزم وصدق الدعاء، انفجر ثلاثتهم في بكاء بدا واضحاً أنه غسل حتى الأعماق. سألت الأم ابنتها: بالله عليك ونحن في الحرم هل تجدين في زوجك ما يستحق به سوء المعاملة؟ فردت كالمنتظرة: لا، وهذا ما فجر دمعي أثناء سجودي وأنا أضرع إلى ربي أن يغفر لي، فقالت الأم: كم لاحظت عليك مقابلة إحسانه بالإساءة وكم حذرتك! قالت: نعم، ولكنه شيء في داخلي كان يدفعني إلى تعنيفه ومحاولة الانتقام منه قالت الأم: وماذا فعل لتنتقمي منه؟ قالت: كنت أجهل السبب حتى وضعته الطبيبة أمام عيني، قالت الأم: لا أفهم قالت: معاناتك يا أمي من سوء معاملة أبي وقسوته وطول يده عليك زرعت في داخلي رغبة الانتقام لك، ففعلته من دون وعي مع زوجي، وكأني أرد لك به من صنف الرجال كرامتك المفقودة، ولم أفرق بين رقة زوجي وقسوة أبي، وكأنّ على زوجي أن يدفع ثمن أخطاء أبي، لكنني أنا من دفع الثمن، فليتك يا أبي رعيتني في أمي لأرعى الله في زوجي.

وهنا انفجر أخوها باكياً: نعم صدقت والله، فما خرب بيتي إلا ما تقولين، كم زرع الوالد في يقيني بسلوكه أن الرجولة في رفع الصوت، وأن المرأة ما لم تأخذها بالشدة استهانت بك، وبهذا خسرت امرأتي واحترام أهلها لي، وكم تحملت إحساسي بالإهانة لإهانة أبي لأمي، نعم هي زوجته، لكنها أمي، فكلما صفعها أو شتمها، فهو يصفع أمي! فكيف لا أثور لها وأكره من أهانها ولو كان أبي؟ لذا سقطت هيبته من عيني وفعلت ما فعلت وأسأل الله أن يغفر لي، قالت الأم: ومن أجلكما اتقيت الله فيه، وإن عصى الله فيّ.

أحس الوالد بفراغ البيت عليه وافتقد للمرة الأولى أولاده وزوجته فخرج إلى المسجد، فإذا بالواعظ يتحدث عن بر الآباء بالأبناء، وأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ردّ رجلاً جاء يشكو ولده بعدما حقق في الخصومة، قائلاً له: لقد عققت ولدك قبل أن يعقك.

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

تويتر