ما يلزم في اغتيال المبحوح

باسل رفايعة

كان يلزم بنيامين نتنياهو مثل تلك الصفعة التي وجهتها له شرطة دبي، بقوة وحرفية، في قضية اغتيال محمود المبحوح لتطبع على وجهه ندبة فشل فارقة، وتضعه في ورطة داخلية وخارجية، لن ينقذه منها إنكار المجرم الخائب الذي تعود أسلافه على جريمة كاملة، تتبعها احتفالات بالنصر، يزهو بها القتلة، قبل أن يستعدوا للعملية التالية.

وكان يلزم الولايات المتحدة مثل هذا الإحراج، لتعرف أن حليفتها التاريخية ليست أكثر من دولة إرهابية، تديرها عصابة من القتلة والشذّاذ، لم تتردد في اغتيال أحد خصومها في دولة مثل الإمارات، تمثل نموذجاً للاعتدال والتقدم والأمان في منطقة تعلو فيها أصوات الحرب وقيم التخلف، وترتفع فيها القبضات التي تهتف بالموت، وتخرج منها فتاوى تبيح قتل كل من يسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء في العمل والتعليم.

وكان يلزم دول الاتحاد الأوروبي التي حمل عملاء الموساد جوازات سفر بعضها مثل هذا التطاول على سيادتها، لتعرف أن غطرسة إسرائيل استهانت بكل القيم الأوروبية، وذهبت بجريمتها إلى دبي، المكان الذي يهجس بالحداثة والاختلاف، ويشكل وجهة مفضلة للأوروبيين في السياحة والعمل والإقامة.

وكان يلزم دولاً عربية أيضاً مثل هذا الدرس لتعلم أن الأمن الذكي لا يتجسد في عسكرة الشوارع، وإقامة الحواجز، وتكثيف الدوريات، فالكفاءة التقنية والعلمية التي امتلكها الفريق الأمني في دبي قطعت الطريق تماماً على تقييد جريمة اغتيال المبحوح «ضد مجهول» ومنعت نتنياهو من الفوز بالغنيمة بكاملها، وبات مضطراً لتبرير غبائه للداخل الإسرائيلي ولأميركا وأوروبا، وهو اقترف جرائم مماثلة في عواصم أخرى، أوسعت إسرائيل شتماً، وتركتها تفوز بالإبل.لكن ما يلزم أميركا وأوروبا تحديداً هو موقف أخلاقي حاسم من اختيار دبي مسرحاً للجريمة. فحركة «حماس» مدرجة في قوائم المنظمات الإرهابية، وفق المنطق الأميركي والأوروبي الذي يُداهن إسرائيل، ولا يعترف بمقاومة الاحتلال، لكن دبي مدرجة في قوائم المدن العالمية المتنوعة سكانياً، والأكثر قبولاً للآخر، وفيها سمات حضارية خاصة للتعايش بين عشرات الجنسيات والخلفيات الاجتماعية فيها، ولا أقل من أن تعلن الولايات المتحدة وأوروبا رفضاً صريحاً لاستخدام مدينة آمنة مسرحاً لجرائم الاغتيال وتصفية الحسابات السياسية.

الصمت على جريمة إسرائيل، بحجة أنها تحارب ما تسميه وحدها «إرهاباً» لا يعني سوى التواطؤ في أكثر أشكاله وضوحاً، وربما أكثر من ذلك. على الأقل يعني أن المجتمع الدولي يوافق على إطلاق يد الموساد لقتل خصوم إسرائيل في كل مكان في العالم، بغض النظر عن طبيعة هذا المكان، وموقعه، وتاريخه.

نحن إزاء حالة من النفاق الدولي، ربما لا سابق لها، فالتحقيقات الحصيفة لأمن دبي أكدت أن عملاء الموساد استخدموا بطاقات ائتمان صادرة من بنك مقره في الولايات المتحدة، وجوازات السفر الأوروبية المستخدمة في الدخول إلى دبي صحيحة، وهذا يفتح باباً واسعاً للريبة إن لم يكن هناك موقف واضح وقوي، غير ما صدر من استهلاكات إعلامية معهودة وخجولة من بريطانيا وأيرلندا وألمانيا وفرنسا. الموقف المطلوب دولياً الآن هو إدانة جريمة إسرائيل في هدفها ومكانها من خلال مجلس الأمن الدولي، والضغط عليها لتسليم القتلة، وفقاً للقوانين الدولية.

baselraf@gmail.com

تويتر