..ويسألونك عن العقل

إبراهيم جابر إبراهيم

قد يُهدي الإنسان قلبه، لمن يهوى، وعن طيب خاطر!

وقد ينذر عمره لقضية ما، أو يرخص روحه فداءً لحلم، وربما يكون مؤمناً بفكرة يخلص شديد الإخلاص لها.

لكنه من الابتذال أن يؤجر الإنسان رأسه، للآخر يحشوه له، بما يراه وما يريده الآخر من أفكار وبدع وخصومات وآراء متناقضة مع بعضها.

لا يفعل ذلك سوى إنسان امتهن عقله، أوعجز عن إدارته واستخدامه، فقدّمه رخيصاً لكاتب صحافي، أو زعيم سياسي، أو شاعر، أو حتى لرجل جالس في مقهى!!

ذلك أن الأمر التبس على كثيرين، حتى ظنت العاشقة أن أعلى درجات الحب أن تُهدي عقلها، فيما آمن المريد أن رأسه لا يلزمه في حضرة شيخه، وتباهى التلميذ أنه يحفظ غيباً كل تعاليم أستاذه، وقال القارئ إنه لا يُكذّب ما تقول الصحيفة، وأغمض المصلّي عقله وأرخى أذنيه لخطيب الجمعة!

ونسوا جميعاً أن العقل ماكنة للتفكير والخلق والاقتراح، وليس آلة تسجيل!

يتحرك كثيرون على موسيقى القطيع، وعلى إيقاع منتظم، لا يكلفون أنفسهم عناء التفكير بما يقول المذيع أو ضيفه، ولا يضعون أي فكرة موضعاً للنقاش، فالمسطرة التي يحاكمون بها الأمور دائماً جاهزة، وهي ما قال الشيخ، أو ما قالت الجريدة، أو ما قال «رئيس المكتب السياسي» وهو يرفل بربطة عنقه الساذجة ويخطب في جمهور المصفقين!!

كلام الصحف لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه، وكلام الرجل الذي كان يهمسه لجاره في الباص ينشره بقية الركاب في البلد من دون أن يقلبه أحد بين يديه، أو يتفحصه، وما يقوله الموظفون في استراحة الغداء يصير «معلومات» يتناقلها الناس.. ويتورط صحافيون لاحقاً في تحليلها وإعادة إنتاجها، وقد يستضيف برنامج حواري «خبيرين استراتيجيين» للحديث في «تداعياتها»!!

من المعيب أن يخلع البعض رؤوسهم ويضعونها في خزانة الأحذية قبل بدء الاجتماع، أو قبل نشرة الاخبار، أو قبل خطبة الجمعة!

فالكاتب المشهور، أو شيخ الجامع، أو مقدم البرنامج، كلها ليست صفات للعصمة، أو أسباباً للحكمة، ولا تمنح صاحبها حصانة على قوله، أو أوراقه، أو خراريفه التي يقصّها على زوّاره في المضافة!!

والذي يقدم نفسه للعالم إنساناً متحضراً، وصاحب مشروع كوني، لا ينام وتحت وسادته حجاب، أو يذهب للمختبر النووي وهو يعلق في عنقه تعويذة!

والجمع من الناس، الذين يؤجّرون عقولهم، ويبصمون بأصابعهم العشرين على ما يسمعونه في نشرة الأخبار، أو تدفعهم النكايات لأن يخترعوا تفاصيل وحيثيات وإضافات للشائعات التي يسمعونها، هم غير جديرين أبداً بأن يحملوا رؤوسهم بين أكتافهم، ما دام حملها أو تركها في البيت، لا يغير شيئاً.

يكفيهم إن خرجوا من بيوتهم أن يحملوا معهم آذانهم فقط!

...

لذلك كان على الناس أن يُقلّبوا الفكرة في رؤوسهم، وربما احتاجوا إلى أن يُقلّبوا رؤوسهم نفسها بين أيديهم، أول من أمس، وهم يشاهدون رئيس الدولة المسلمة الكبرى التي تحاجج العالم كله ببرنامجها النووي، يُعيد ما قاله قبل شهرين «إن أميركا هي العقبة الأساسية أمام عودة الإمام المهدي لأنها تحرف الفكر الانساني عن الله والأنبياء وعن القيم الأخلاقية والربانية»!!

 

nowaar@hotmail.com

تويتر