الكبرياء المتعجرف

زياد العناني

يحاول الكاتب الأميركي توني سميث في كتابه «حلف مع الشيطان»، الذي ترجمه إلى العربية المترجم هشام عبدالله، وصدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر أخيراً،أ إعادة الاعتبار لمقولة الكاتب رينولد نيبور «إذا قدر لنا أن نبيد فإن قسوة العدو لن تكون إلا السبب الثاني للكارثة، وذلك لأن السبب الأول قد يكون أن قوى الأمة العظيمة كانت موجهة بعيون عميت بصيرتها عن أن ترى مخاطر الصراع، ولن يكون العمى ناتجاً عن حادث سببته الطبيعة أو التاريخ بل الكراهية والامجاد الفارغة». وينتقد سميث في شبه شهادة موجهة إلى الشعب الأميركي أولاً الجهد الفكري لدعم الديمقراطية الليبرالية الدولية، مبيناً أن رعاية حقوق الانسان والحكومات الديمقراطية في الخارج مجرد حجة يدبجها المذنبون من الليبراليين الذين خدعوا الناس، خصوصاً في السياسة التي راحت تروج للخلاص العالمي وهي تبذر الفوضى في كل خلاياه. ويقف سميث عندأ ضحايا التوسع الأميركي رائياً أن التبريرات المقدمة لهم والمتعلقة بانقاذ العالم لن تؤدي إلى عالم حر وأن الولايات المتحدة ستخسر كل مصالحها بحجة الخوف على مصالحها.

أما اللافت في الكتاب فيتمثل في الكشف عن الفوضى المؤلمة التي تعيشهاأ الولايات المتحدة على الصعيد الداخلي من جراء ابحار قارب الديمقراطية المسلح وانتقاله من كذبة التحرير إلى منطق الغزاة ووقاحتهم عبر التاريخ.

ويرى سميث أن نظرية توسيع الحكم الديمقراطي واقتصاد السوق المفتوحة بوصفه النموذج الوحيد الدائم للسلام والتقدم في الشؤون العالمية تعد مطلباً مبالغاً فيه، لا يمكن لصبر التاريخ أن يتحمله.

ويؤكد سميث للشعب الاميركي - أو دافع الضرائب-أ أولاً وأخيراً أن الحروب التي تشنها أميركا تنتمي إلى جنون العظمة، رغم وجود بعض الخلفيات الفكرية التي تقدم باسم المحافظين الجدد، ورغم حروفها الخادعة.

ويفضح كتاب «حلف مع الشيطان» سياسة أميركا التي لم تخض حرباً عادلة، مشيراً في جل فصوله إلى أنها باتت في نظر العالم قوة امبريالية، تريد أن تخضع العالمأ لشكل من التنظيم السياسي غير واضح أو محدد المعالم حتى فيأ واشنطن نفسها.

هذا ما نفهمه من الكتاب الذي جاء لكي يجرد أميركا من أسبابها الوجيهة في الحرب وفي السلمأ دفعة واحدة، ويجعلها مجرد دولة متهمة بعدم حماية الأمن الاميركي وحماية العالم، وأن طموحها العالمي أثبت فشله، وأن الشيطان وحده قد فاز في النهاية بأرواح من يعتقدون بمثل هذه الطموحات الدامية، وأن التاريخ سيعاقبهم على خطيئة التكبر أو الكبرياء المتعجرف.

وبعد، هل يدرك حلفاء أميركا في الشرق وفي الغرب أنها الآن في ورطة؟ وأن قارب الديمقراطية المسلح سيغرق حتماً ويغرق كل المتعاونين والداعمين وكذلك الصامتين، وأن الحل الامثل يكمن في الخروج من هذا القارب المثقوب الذي اعتمد كثيراً على شعارات الافتخار بالماضي التليد لليبرالية الديمقراطية، الى أن تبين انهاأ لا تختلف كثيراأ من حيث نتائج الافعال عن الانظمة الثورية والعسكرتارية والفاشية القومية، هذا إن لم تكن نتائج افعالها أكثر دموية وأشد فتكاً.

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر