أمّنا «العربية»

عادل محمد الراشد

«اليونسكو» خائفة على «الأمهات» المعرّضات للانقراض. وأمّنا التي طالما استحوذت على صور البيان، واختارها رب العالمين لتكون لغة القرآن، ولايزال لسانها ينشد خمس مرات في اليوم بالأذان، وهي البحر الذي فاض بالدرِ حتى ناءت عن حمله الشطآن، هذه الأم الضاربة جذوراً في أعماق الزمان، التي تركت لها أثراً في كل مكان، وأخذت لها حيّزاً في أي لغة وعلى كل لسان، تنضم اليوم إلى اللغات الأم التي يُراد لها أن تشيخ وتسكن صندوق التحنيط فتكون جزءاً من مقررات الماضي ورموز التراث وضمن دفاتر الذاكرة التي تتخذ من «كان وأخواتها» أسلوباً لترقيم صفحاتها. اللغة العربية في خطر؟ نعم.. هي كذلك منذ عقود عديدة، ولكنها اليوم يُراد لها أن تتجاوز مرحلة الخطر إلى مرحلة الاحتضار. وردّ الفعل المتوقع، كعادة عرب هذا الزمان، العويل والنحيب ولطم الخدود وشق الجيوب.. ثم الاسترجاع، وإيثار السكينة، والرضا بالقضاء والقدر. والقدر الذي يُراد لأهل العربية أن يرضوا به الآن هو أن لغتهم، شأنها شأن لغات قبائل المايا، أصبحت في عداد الميتين، التي لا قِبَل لها بحركة الحياة، ولا قدرة لها على مواكبة العصر، ولذلك هي عبء على التعليم وعبء على الوظيفة، وعبء على التقنية.. وبالتالي هي عبء على الحياة ذاتها، ولا يمكن أن تأخذ زمانها وزمان غيرها!

«اليونسكو» تؤلمها هذه الطريقة في ذكر الأموات. فمن باب الثقافة وصون التراث يُفترض على أقل تقدير أن يعاد التذكير بمحاسن الأموات. ولأن من علامات هذا الزمان ذكر المثالب وفضح العيوب، فإن دعوة «اليونسكو» مرت على أسماء أكثر الناس مرور الهامسين. وربما سارع بعض الناس من «أهل الاختصاص» لسد آذانهم لكي لا يصلها شيء من همسها المبحوح. بقي، بعد هذا النحيب، أن نبشر المتشائمين بأن الحروف العربية أصبحت حاضرة في تصاميم بيوت الأزياء الأوروبية وعلى غصون البان المائلة والمميلة في صالات العروض الأوبرالية.

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر