فيلم عن الغرفة «230»

علي العامري

كثيرة هي الأفلام السينمائية التي دعمتها الصهيونية أو أنتجتها أو مولتها ولاتزال للترويج لشخصية اليهودي باعتباره«أنموذجاً ملائكياً للانسانية واللطف والذكاء»، وبالتالي يظهر الاسرائيلي في هذه الصورة الملفقة التي تم ترويجها في اعمال فنية عدة، من أهمها السينما.

كثيرة هي الافلام المختومة بالدمغة الاسرائيلية التي تخرج إلى العالم عبر بوابة «هوليوود» بالدرجة الاولى، إذ أصبحت السينما سلاحاً اضافياً للعبث في التاريخ وخلط الاوراق وتزوير الحقائق وإظهار اليهودي «ضحية» لتأجيج التعاطف معه، وتصوير الآخرين، وخصوصاً العرب والمسلمين باعتبارهم «متوحشين يلهثون وراء شهواتهم». ونجحت تلك الافلام في تشكيل صورة نمطية مشوهة للعرب، تظهرهم على أنهم «أوغاد وخونة وشهوانيون وساذجون وبلهاء»، في حين تظهر صورة الاسرائيليين وكأنهم «ملائكة» يمشون على الارض، وكأنهم لم يحتلوا فلسطين واراضي عربية أخرى، وكأنهم لم يقتلوا ولم يرتكبوا مجازر وجرائم حرب، ولم يرسلوا أفراداً من وحدة «اكيدون» التابعة للموساد الاسرائيلي لتغتال المبحوح في دبي وقبله شهداء عدة. وكانت السينما أداة نجح الصهاينة في استغلالها لترويج صورة «جميلة» عن المحتل والقاتل وسارق الارض والتراث ومزور التاريخ. ونجحت افلام كثيرة في تضخيم صورة جهاز الموساد الاسرائيلي، بحيث أصبح «اسطورياً» في أذهان العالم، وأنه قادر على تحقيق اهدافه بدقة ومن دون ان يكتشف أمره.

كل ذلك خطر في ذهني وأنا أشاهد الشريط المصور الذي وزعته شرطة دبي وبثته قنوات التلفزيون حول العالم لـ«عملية البستان» عن جريمة اغتيال القيادي في «حماس» محمود المبحوح على يد الموساد، وكيف أذهلت شرطة دبي قادة الموساد نفسه والعالم كله في إعادة تركيب صور تحركات اعضاء فرق الاغتيال بدقة، لتروي القصة كما حدثت لحظة بلحظة، ولتفضح ذلك الجهاز «الاسطوري»، وترد كيد «اكيدون» في نحر «موسادها». ومع أن التبجح والتعالي والغطرسة، عناصر اساسية في شخصية المحتل الاسرائيلي، إلا ان رواية شرطة دبي بدقتها جعلت ذلك المحتل يطأطئ رأسه، ويحاول لملمة فضيحة جهازه «الاسطوري»، خصوصا أن دبي تعاملت بشفافية منقطعة النظير في نشر تفاصيل اعضاء فرق الاغتيال وصورهم وأرقام جوازات سفرهم وتواريخ ميلادهم.

شرطة دبي بكشفها «لغز الغرفة 230» التي اغتيل فيها المبحوح، تكون قد أحالت «ثلث اعضاء وحدة اكيدون» على التقاعد او العمل المكتبي، وهذا يمثل «انتحاراً جماعياً» لوحدة الاغتيال الاسرائيلية التي يعني اسمها «حربة البندقية»، اذ كانت تمثل «رأس حربة» في جهاز الموساد الذي انكشفت فضيحته «تحت الشمس» مباشرة وفي العالم كله.

هذا النجاح الذي حققته شرطة دبي، جدير بأن يدخل السينما من أوسع ابوابها، وأن يتم انتاج فيلم يليق بتفوقها على الجهاز «الاسطوري»، لتكون السينما أداة فنية لفضح الاحتلال الاسرائيلي، وإظهار صورته الحقيقية بوصفه مرتكب مجازر وقاتلاً ومجرماً ومنتهكاً أراضي الغير.

هل يمكن ان نشاهد فيلما سينمائيا عن «عملية البستان»؟، هل يمكن ان نشاهد فيلما وثائقيا عن جريمة الموساد؟ هل يمكن ان نوظف «الفن السابع» في كشف ما حدث، خصوصاً ان الرواية واضحة، والسيناريو واضح، والمشاهد المصورة واضحة، والمجرم واضح، والضحية واضحة ايضاً.

ali.alameri@emaratalyoum.com

تويتر