الرسول المُتبَع

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

بعث الله تعالى نبيه المصطفى سيدنا محمداً بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه؛ ليكون بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ويكون رحمة للعالمين، ورسولاً إلى الناس كافة، على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وبلدانهم، وختم به الرسالات، وأتم به النعمة، وأكمل به المِنة، ونسخ به الشرائع، وسد به الذرائع، وعصمه من الزلل، وحرسه من الوقوع في الخطأ والخطَل، فجعل كلامه وحياً يوحى، لا ينطق عن الهوى، ولا يقول أو يفعل إلا ما تنزل به الروح الأمين، على قلبه لكونه من المرسلين، لذلك كانت طاعته طاعةً لله، ومعصيته معصيةً لله، ورضاًه رضا لله، ومبايعته مبايعةً لله، أمره واجب الطاعة، ونهيه واجب الامتثال، وإرشاده هدى ونوراً، جعل الهدى في طريقه فقط، وتنكب سنته وسيرته هو الضلال والشطط، فلا يسع مسلماً أن يرد عليه قوله، أو يكون هواه خلافاً لهواه، كما قال في ذلك «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به»، وقال «والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم - أي أهل الكتاب - عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً، ما وسعه إلا أن يتبعني». لكونه خاتم النبيين، وحجة الله على العالمين؛ ليقطع بذلك الأطماع، وينهى به عن الابتداع، ويحمل على الاتباع.

ذلك هو رسول الهدى الذي بلّغ عن الله تعالى رسالته، فما كتم ولا ادخر، ولا توانى ولا قصّر، بل بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وشهد الله له بالبلاغ، ولأصحابه بالاتباع، فليس لأحد أن يعقّب على قوله أو فعله، أو أمره ونهيه، بل ذلك يناقض الإيمان، كما قال في محكم القرآن{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَل ضَلَالًا مُبِينًا}، لأنه لا يأمر بفحشاء، ولا يقلل من شأن الأنبياء، بل هو اللبِنة التي ختم بها بيت النبوة الكامل، كما قال عن نفسه وإخوانه الأنبياء «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين»، بل هو الشاهد لهم عند ربهم أنهم بلغوا رسالاتهم، ونصحوا لأممهم، فمن يكون كذلك لا يفترض فيه أن يقول ما هو منكر من القول وزور، لعصمته من ذلك، فهو بعين الله محروس، ومن إفك الأفاكين متروس.

فعلينا أن نغض صوتنا عند ذكره، ونستشعر كماله عند ربه، وصواب أمره ونهيه، ونجعله القدوة لنا في ما نأتي ونذر، لا نعقب ولا نفترض، بل نسلم ولا نعترض، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم ترك الافتراض الذي يجعل المرء في حيرة، إذ به يكون للشيطان على المرء وسيلة فقال «.. إن لو تفتح عمل الشيطان»، وذلك رحمة بنا من أن نتكلف ما لا يعنينا، لكونه قد تركنا على المنهج القويم ودلنا على الهدي المستقيم، وشأن المسلم أن يقول{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلفِينَ}.

صلى الله وسلم وبارك عليه وزاده فضلاً وشرفاً لديه، ورزقنا كمال محبته، وتمام شفاعته.

❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

تويتر