البحث عن ميتروبوليس

قيس الزبيدي

يعتبر الفيلم الصامت «ميتروبوليس» أكثر الأفلام أهمية في تاريخ السينما، وقد أحيط بحياة مضاعفة، قلّما مر بها فيلم كلاسيكي آخر، وهي حياة كانت حافلة بالفشل والتقصير والتشويه. وقتها راهن الإنتاج الألماني على نجاح كبير يحققه فيلم، ينافس السينما الأميركية في دور عرضها، وكان أن وضعت تحت تصرف المخرج فريتز لانغ ميزانية هائلة لتحقيق فيلم «ميتروبوليس». لكن حين عرض الفيلم في برلين في عام 1927 لم يشاهد عروضه الأولى، على مدى ستة أشهر، سوى 15 ألف متفرج، الأمر الذي عرضه، بسبب ذلك، لعمليات متوالية من تقصير مدة عرضه وتعديلات شوهت نسخة مخرجه الأصلية. وبدأت العملية القيصرية في ألمانيا، وفي الولايات المتحدة وغيرها من دول أوروبية، ما أدى، خلال عقود طويلة، إلى ضياع نسخته الأصلية، التي اعُتقد أنها فقدت إلى الأبد.

ونظراً للأهمية الاستثنائية للفيلم في التاريخ السينمائي، جرت محاولات عديدة لإعادة ترميمه بشكل يمكن أن يقارب نسخته الأصلية، التي لم يشاهدها النقاد ولا المؤرخون، ومن هذه المحاولات سبق أن عرضت نسخة من الفيلم في مهرجان برلين قبل تسع سنوات، وافترض وقتها أنها ستكون قريبة جداً من النسخة الأصلية التي أخرجها لانغ. وكانت هذه النسخة ذات صور من جودة عالية، وفقاً للمقايس المتعارف عليها سينمائياً، وتم ترميمها وتكميلها بناء على صور من المشاهد الفوتوغرافية والحوار المكتوب، ومع هذا فقد تعرض الفيلم إلى خلل في إيقاعه. لكن على الرغم من ذلك استطاع «ميتروبوليس» أن يبدو على شكل جذع تمثال قوي ومعبر.

لم تنتهِ الحكاية عند هذا الحد، إنما بدأت مرة أخرى، حينما أُكتشف أن نسخة أصلية من «ميتروبوليس» تم شراؤها في العام 1928 من قبل جامع أفلام في أميركا اللاتينية، وقام بعرضها حتى ستينات القرن الماضي في النوادي السينمائية الأرجنتينية. وبعد ذلك سُحبت من العرض وحُفظت في مخزن تكدس فوق علبها الغبار. حكاية أخرى حصلت أيضاً، حينما تم العثور في الشهر السادس من عام 2008 على نسخة 16 ملم في متحف السينما في «بوينس ايرس» منقولة من النسخة الأصلية التي اكتشف انها أتلفت. وبعد مضي 83 عاماً أعيد تركيب وترميم نسخة أصلية منها، أضافت إليها نحو 25 دقيقة عبر عملية الاستعانة الدقيقة بالسيناريو والنوتة الموسيقية وبطاقات الرقابة والصور الفوتوغرافية، التي التُقطت أثناء تصوير المشاهد.

الآن إذ يحتفل مهرجان برلين بعيد ميلاده الستيني بعرض جديد لـ«ميتروبولس 1927/2010» بمصاحبة فرقة أوركسترا، فيبدو أن معجزة أثرية قد حصلت وأن الأسطورة قد انتهت أخيراً. أكثر من ذلك ستتولى شركة «ترانزيت» في ميونيخ توزيع الفيلم في العالم وتنقله على أقراص مضغوطة، ليشاهد الجمهور فيلم لانغ كما أراد له أن يكون بعد 83 عاماً.

alzubaidi0@gmail.com



 

تويتر