فشل في «خنق» الحقيقة..

سامي الريامي

بالتأكيد هو عمل جبان وفق جميع المعايير الإنسانية، ووفق جميع المبادئ والأديان، أن يقوم 11 شخصاً بالاشتراك في قتل رجل واحد، هو عمل لا يخلو من الخسّة، ولكن الخسّة والجبن، والرجولة والأخلاق أيضاً، كلها غير معترف بها في عالم الاغتيالات الذي لا يعرف حضارة أو مبادئ أو ديناً، وبالتالي فإن كلاماً من هذا النوع لا شك في أن تأثيره معدوم تماماً في ذهن وعقيدة أولئك القتلة.

البطولة ليست في خنق محمود المبحوح، وقتله غدراً، فهذا أسهل ما في العملية التي نفّذها فريق الاغتيال، حيث لم تستغرق هذه اللحظات أكثر من 10 دقائق، في حين أن التحضير لهذه الدقائق استغرق 19 ساعة داخل الدولة، ولا شك في أنه استغرق أياماً وربما أشهراً خارجها.

التحضيرات والتمويه، بدآ من دخول الدولة بشكل منفرد من دول عدة، هي البطولة «الزائفة» التي اعتقد هؤلاء أنهم قاموا بها، والدقة والحرفية في تنفيذ المهمة، هي ما يفاخرون به، وتنفيذ الاغتيال من دون ترك أثر، هو الانطباع السائد لديهم حتى قبل يوم أمس، فهم كانوا يعتقدون أن عملية الاغتيال تم تصنيفها من نوع «الجريمة الكاملة» التي يصعب، بل يستحيل كشف منفذيها.

ومن هنا كانت الصدمة التي أعتقد أنها «طيّرت» النوم من أعين المنفّذين، والجهات التي تقف خلفهم، الصدمة بدأت بعد انتهاء المؤتمر الصحافي للفريق ضاحي خلفان، الذي أبهر جميع الإعلاميين الحاضرين والذين يمثلون معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية المهمة، حيث التفاصيل الدقيقة وبالصورة الكاملة، وكأن الجريمة هي لقطات من فيلم سينمائي بكامل الطواقم الإخراجية والتصويرية. كل شخص من المجرمين، تم تصويره وهو يدخل الفندق أو يخرج منه، أو وهو يتجول في مركز تجاري، ولقطات دقيقة لمسرح الجريمة، وتصوير جميع فرق المراقبة التابعة للفريق الإجرامي، التي كانت تراقب الوضع العام، وتراقب المغدور، وهي تظن أنها متخفّية، بينما هي في الحقيقة تحت الأنظار، حتى ذلك الأصلع الذي دخل دورة المياه بصلعته، وخرج منها كثيف الشعر معتقداً أنه أستاذ في التمويه والتخفّي، خاب ظنه بعد أن نُشرت صورته في مختلف صحف العالم على صدر الصفحات الأولى!

إضافة إلى الشعور بالفخر والاعتزاز عند الاستماع إلى الشرح الكامل لكشف غموض العملية، فإن هناك شعوراً بالفخر والاعتزاز لتغير نهج حكومة دبي وفكرها الإعلامي، فقد قدمت المعلومات كافة بكل شفافية ووضوح، لم نعتد عليها في فترات سابقة، بكل أمانة، حيث تم نشر التفاصيل، والصور الكاملة والواضحة للمتورطين، وأسمائهم الصريحة، وجنسياتهم وفقاً لجوازات سفرهم، إضافة إلى تسجيل مصوّر كامل يعرض على شاشاتنا في نشرات الأخبار، وتنقله عنها جميع محطات العالم الإخبارية، إنها الطريقة المثلى لفضح هذه الممارسات الإجرامية القبيحة، فالقبح لا ينبغي التستر عليه.

إنها الشفافية التي يطلبها الإعلام، وهو الوضوح الذي يُحرج المجرم ويفضحه أمام العالم أجمع، ونتيجته لا شك في أنها ستكون قاسية على من كان يعتقد أن البلد مسرح سهل للغدر والخيانة، ولا شك في أن التباهي والتفاخر بأن «عمليات من هذا النوع لا يتم الكشف عن الفاعلين، ولا يُبقون خلفهم آثاراً، بالإمكان وصفها بأنها ناجحة»، فإن المؤتمر الصحافي أطفأ تلك النشوة وأكد أن نشر صور الجناة وملاحقتهم قانونياً يعني فشلاً ذريعاً للمهمة، وفشلاً واضحاً في خنق «الحقيقة»، حتى إن نجحوا في خنق الضحية.

reyami@emaratalyoum.com

تويتر