العودة إلى القراءة

خليل قنديل

العودة إلى الكتب التي تستقر في المكتبة منذ سنوات ومراقبة أوراقها المائلة الى اللون الأصفر الذي يطلق تلك الرائحة الورقية في الأنف يذهب بمخلبية جميلة للحفر على المناخات الأولى والهالات التي أحاطت بتلك القراءات. ويقودك الى طعم القراءة الاولى وإيقاعها المزلزل في الروح، وتلك البهجة البريئة التي كانت تفحها القراءة في الروح البكر التي كانت تميزك.

نعم.. إن استلال بعض الدواوين الشعرية للشاعر الراحل نزار قباني ومطالعتها من جديد سوف تقودك الى الشاب الذي كنته وإلى جسدك الذي كان يهتز فرحاً وأنت تردد بصوت عالٍ قصائد نزار التي كانت تدعو الأنثى الى «الثورة على شرق السبايا والبخور»، وكنت آنذاك تستعيد حبيبتك المشتهاة وتتصورها أمامك وتقرأ لها ما تيسر من تلك القصائد التي تدل الأنثى على أنوثتها وتضاريس جسدها. وحين تتناول رواية «شرق المتوسط» للروائي الراحل عبدالرحمن منيف سوف تذهب بالتأكيد الى تلك القراءات الممنوعة التي كانت تلجم قراء سبعينات القرن الفائت والرقابة العربية على كل نتاج يخص أدب المعتقلات العربية. ولابد أنك ستذكر كيف تبرّع أحد الأصدقاء بشرائها على ان تأخذ دورتها القرائية بين شلة الأصدقاء. وكيف فرحت يوم حان دورك في قراءتها وكيف اقتادك بطلها «رجب» الى مهلكة المعتقلات العربية. وسوف ترتعش يدك بالتأكيد وأنت تستل من مكتبتك رواية «المتشائل» للروائي الفلسطيني الراحل اميل حبيبي. ذلك أنك ستتذكر صديقك الذي طرق باب دار العائلة ذات ليلة وقدمها اليك كمنشور سري طالباً منك قراءة الرواية هذه الليلة، وإعادتها له في الصباح. ولابد وانت تتحسس حروف هذه الرواية الآن ان تتذكر شغفك القرائي تلك الليلة وانت تذهب بشخصية أبي النحس المتشائل الى اقصى دورها التراجيدي الفلسطيني.

وحينما تمرر يدك على مؤلفات كولن ويلسن سوف تتذكر وهو يقودك ناحية شخصية «جيرالد سورم» الذي كان يؤمن بالسحر الأسود وفلسفات الشرق وكيفية إنهاض القدرات السايكولوجية في الانسان عن طريق التأمل وتكثيف قوى الرؤى. وحينما تلامس ثلاثية جان بول سارتر «دروب الحرية» سوف تذكر ذلك الفتى الذي هو أنت وكيف استطاع بطل الرواية «ماتيو» ان يدمر قواك الروحية في وقت مبكر من العمر حينما شكك في وجوده الى الدرجة التي جرح فيها يده كي يؤكد له الدم المتدفق من يده أنه موجود.

والبؤس الوجودي ذاته ينطبق على قراءات وجودية مبكرة لرواية «الغثيان» لـ«سارتر» ايضاً. وكيف ان الكآبة التي كان يتمتع فيها بطل الرواية «انطوان روكنتان» مع غثياناته المقززة قد قلبت حياتك وقتها وجعلتك تعيش في ما يشبه الانفصام وعدم القدرة على التواصل مع الاصدقاء والعائلة.

وهذه رواية «قصة حب» للروائي «ماريو بوزو» تحتل مكانتها بحنو في المكتبة وهي تعيد لك ارتعاشة روحك وانت تستذكر تلك العبارة التي كانت فاتحة الرواية وهي تقول «الحب هو ألا يكون لنا أبداً ان نقول إنّا آسفون»، وتلك اللغة السلسة للرواية. تمرّر يدك على دواوين شعرية لشعراء مثل رامبو وغليفك ورسول حمزاتوف ووايتمان وبودلير، وتفرح لارتعاشة يدك وهي توقظ قصائد كل هؤلاء. تبتعد عن المكتبة قليلاً وتغادرها وأنت تحقد على وعيك القرائي هذه الايام الذي سرق منك غباءات قرائية كثيرة كانت تفح فيك روح الدهشة والبراءة.

 

khaleilq@yahoo.com

تويتر