ليس تافهاً ولا مضحكاً.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

همس الزوج في أذن الشيخ بعد انصراف المصلين: أريدك على انفراد، فنحى به الشيخ جانباً وقال: إن شاء الله خيراً، قال لا أظن! فإني صراحة أشك في زوجتي، ولا تقاطعني لو سمحت، فكل يوم أتأكد أكثر من إعراضها عني، خصوصاً على فراش الزوجية، دائماً تصدني وتعطيني ظهرها، وكلما أردت مداعبتها تنتقل بي مباشرة إلى قضاء الوطر مسرعة في الخلاص! ألم يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقدم للعلاقة بالمداعبة والقبلات؟ أنا لن أستحي منك سيدنا فإني أخشى أن تكون على علاقة بغيري، هل تتصور أنها لا تقبل مني أن أقترب من شفتيها إطلاقاً؟ حتى في محادثاتنا العادية تبعد وجهها عني، فهل أتجسس عليها لضبطها؟ قاطعه الشيخ: مهلاً، ليست هذه أعراض خيانة وإنما أعراض نفور، فالخائنة غالباً ما تبالغ في إرضاء زوجها لاستغفاله، فمنذ متى لاحظت نفورها؟ قال: بعد فترة من الزواج، قال الشيخ: ألم تنبهك إلى أية ملحوظة لمراعاتها قبل اللقاء؟ سكت قليلاً ثم قال: لا أذكر إلا أموراً تافهة، قال الشيخ: مثل؟ قال: لا شيء، في بعض المرات تقول خذ حماماً ولكنه دلع النساء فإني آخذ حمامي بعد اللقاء لا قبله، فقال الشيخ وقد التقط بداية الخيط: ورائحة فمك؟

فانتفض الرجل وثار فجأة كأن السؤال فجّر غيظاً دفيناً، وقال: هل سبقتني إليك زوجتي واشتكت؟ قال الشيخ وقد اطمأن إلى تشخيص العلة: أبداً ولكن لم هذا الانفعال؟ قال لأنك ذكّرتني بأمر طالما اختلفنا عليه، فكم كانت تكرر علي الطلب بتنظيف أسناني وترك التدخين، كأني طفل بالروضة، حتى ثرت عليها يوماً فلم تعد تتكلم فيه ونسيت أنا ذلك حتى فجّرته بسؤالك، لكن بالله عليك هل هي كلّمتك بذلك؟ قال: أرى كأنك تتمنى أن تكون كلمتني لتقلب عليها الدنيا، قال نعم وأطلقها! فقال الشيخ: الآن عرفت مشكلتك، فاسمع مني: زوجتك ما كلمتني ولكني أنا هممت دون شعور أكثر من مرة أن ابتعد بوجهي عنك في حديثك حتى أدركت أن رائحة فمك فعلاً منفرة، وسامحني إن واجهتك بذلك دون مواربة لأن صمتي سيجعلك لا تنتبه إلى العيب المنفّر فيك، والأمر الأخطر أنك تكابر وتتهم زوجتك بالخيانة، وهي من أدبها عرضت عليك بلطف الاستحمام وتنظيف الفم ولكنك لم تفهم. ألم تعلم أن الشرع أمر الرجل بالتجمل لامرأته كحبه لتجملها له؟ وحاجة الإنسان بفطرته إلى هذه الجماليات أوجدت عالماً للعطور ومزيلات الروائح للفم والجسد، وفرض الشرع النظافة على الجنسين، ونهى عن ترك الأظفار والشعر (تحت الإبطين وأسفل) فوق أربعين يوماً مع دوام النظافة، ويكفي أن يغلق الإنسان فمه دون نظافة بضع دقائق ليشعر بتغير ريحه وطعمه، لذلك أمرنا النبي بالمبالغة في المضمضة ودوام استخدام السواك فقال «لَوْلاَ أَنْ أَشُق عَلَى أُمتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسوَاكِ عِنْدَ كُل وُضُوء». (البخاري)

فإذا بصاحبنا يقوم منصرفاً بلا كلام ولا استئذان.

وفي الصباح دق هاتف الشيخ وإذا بالزوج يقول: نعم يا شيخنا أنا كنت مغفّلاً، فجزاك الله عني وعن زوجتي خير الجزاء.

مصطفى عبدالعال المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae


 

تويتر