مكعبات نقدية

زياد العناني

كتب عدة تصدر الآن حول الرواية العربية الجديدة، غير أن هذه الكتب لا تنشغل بمضامين الروايات العربية، قدر انشغالها بالمقارنة بينها وبين الروايات العالمية، من حيث اشكالية المصطلح الفني لا غير.

وفي ظل نسيان النقاد، أو تناسيهم، امتداد فضاء المعنى الذي وصلت إليه الرواية العربية، تصبح المقارنة بينها وبين الرواية الفرنسية مجرد كتابة عن الرواية الفرنسية وإهمال شبه متعمّد للرواية العربية، على اعتبار أن الرواية الفرنسية هي أم الرواية الحديثة، وأن تقنيات شكلها هي الأساس في خضم السعار النقدي الذي يريد مادة نقدية جاهزة ومتاحة حول الأعمال الكبرى، ومن دون أن يتعب الناقد وهو يركّب مكعبات مادته كما هي واردة عبر سبل النقد الغربي والترجمات المتضاربة.

ثمة جملة من الفبركات، تتوج النقد العربي وتأكل مساحة لا بأس بها من جهده المهدور، لابد أن تتوقف، لأن مسألة الشكل مسألة عالمية بامتياز، ولو ان كتّاب أميركا اللاتينية توقفوا عندها ما تقدمت رواياتهم في مسارات الواقعية السحرية خطوة واحدة.

آن الأون لنبذ هذه الهرولات المفتعلة لأن الشكل لا يعني التعبير قدر ما يعني أنه حيز مهارات عالمية لا يجوز أن تظل هي الأصل في الفعل النقدي العربي المريض بداء التجنيس والمرجعيات، على حساب المعنى الكامن والمتحقق الذي يمكن أن تخسف به الأرض وما حولها لمجرد انه استعار من الغرب قالباً فنياً، حيث يتناسى الناقد أن صيغة الشكل قد تصير الى أكثر من صيغة، وان الطموح الفني يتعدد بحسب الحاجة، ولا يمكن أن يظل سمة ملازمة مثل خطوط الطول والعرض، وذلك لأن صاحب العمارة الكلاسيكية في هذه الرواية يمكن له أن يأخذ عمارة أخرى أكثر حداثة يجري فيها سرد المكان والكيان، وهذا الأمر يحتم على الناقد المعني الغوص في مدى أهمية السرد ضمن هذه العمارة أو تلك وليس العكس.

ولئلا تظل النقديات العربية تدور في هذه الزاوية الحرجة، بات مهماً أن يتوقف النقاد عند رواية تسرد محيطها الاجتماعي وعلاقاته التبادلية والتفاعلية، بدلاً من الهروب الى الخلف أو الهروب الى الأمام وترك السرد في طبيعة كل رواية يعيش ضمن دائرة مجهولة الأحوال، وذلك لأن السرد هو الأهم في الفعل النقدي، وبناء على أهميته هذه يحتاج الناقد الى مقدرة عقلية لكي يتكئ عليها في تحليله للنص واستخلاص مقوماته التي يفترض أنها هي الأصل بما تحمله من خطاب قيم أو ضعيف.

ومن هنا يتوجب أن نسأل هل توقف النقاد في العالم الغربي عند الشكل الفني لرواية «شيفرة دافنشي» أم أنهم جُذبوا لما كان يتجمهر فيها من بعد ديني؟ وهل خصص النقاد في الغرب أوقاتهم الثمينة للوقوف عند شكل الرواية عند غابرييل غارسيا ماركيز أم أنهم توقفوا عند القدرة العبقرية والمخيلة المذهلة التي استطاعت أن ترسم لنا عالماً خيالياً، كما هو الحال في روايته الشهيرة «مائة عام من العزلة»؟ وبناء على هذين السؤالين يتوجب أن يلتفت النقد العربي إلى المعنى الكامن وراء ما يكتب من روايات لأن حقيقة السرد تؤكد أن الرواية العربية لا تقل منزلة عن مثيلاتها في الغرب، هذا إن لم تكن أقوى.

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر