بلد في شريط الأخبار

أحمد السلامي

حفظنا أسماء قرى وبلدات فلسطينية واقعة تحت الاحتلال، بل حفظنا أسماء بعض الأحياء والشوارع في خان يونس ورام الله، وترددت في خلجات تنهداتنا أصداء ما كان يحدث ولايزال في نابلس وبيت لحم وقلقيلية، كنا نلتقط كل ذلك من نشرات الأخبار الإذاعية.

وفي عصر الفضائيات، منذ التسعينات وحتى الآن، نفسح في ذاكرتنا زوايا جديدة لأسماء يستحضرها شريط الأخبار في القنوات التلفزيونية ويؤرشفها في وعينا بلون الدم: ديالى، الرمادي، أبوغريب، الأنبار، كركوك، أسماء لمدن عراقية اقتحمت شريط الأخبار منذ ان اقتحم الجيش الأميركي بغداد.

وتفيض الذاكرة بأسماء أخرى تخص غزة، وقرى جنوب لبنان، وللمخيمات الفلسطينية في لبنان حيز مستقل في الذاكرة الجمعية، منذ صبرا وشاتيلا، وحتى نهر البارد، وللبعض منا مزاج خاص في حفظ أسماء الوديان والجبال في أفغانستان والشيشان.

الجديد أن ثمة بلداً بدأ اسمه يتبازغ في شريط الأخبار هو اليمن، ولم تغب أسماء المدن اليمنية عن شريط الأخبار من قبل، إذ لاتزال حاضرة تحت أربعة عناوين:

الحرب في صعدة وحرف سفيان بين الحكومة وجماعة الحوثيين، ويختبئ بين سطورها وخلف جولاتها الست أمراء حرب وتجار سلاح لا تظهر أسماؤهم في شريط الأخبار، وهم غير معنيين بعدد الضحايا والمشردين من منازلهم ومزارعهم.

التذمر الشعبي في محافظات الجنوب وما يرافقه من شعارات انفصالية وأعلام قديمة بدأت ترفرف من دون خجل في مدن ومناطق كالضالع وردفان والحبيلين، وهي مدن كان أبناؤها يهتفون للوحدة إلى أن جف ضرعها بفعل تدهور الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب غياب التعاطي الرسمي الجاد مع مطالب المحتجين.

الحرب على الإرهاب، وهي معركة مع عدو لا يجد صعوبة في التعامل مع البيئة الاجتماعية والجغرافية في اليمن، وهذا ما يساعد أفراد تنظيم القاعدة على التخفي. وفي تضاريس شبيهة بأفغانستان ومتفوقة عليها بانعدام الثلوج، تبدو المعركة ضد القاعدة أقرب ما تكون إلى مسلسل «توم وجيري»، ومعلوم أن قوات التحالف الغربي في أفغانستان بدأت تشجع الحكومة الأفغانية على التحاور مع «طالبان» لأن مسلسل الحرب هناك لم يعد يحتمل.

وأخيراً يحضر اليمن بأزماته الاقتصادية التي تتوارثها الحكومات المتعاقبة، وفي ظل شحة الموارد، وتزايد معدلات النمو السكاني، تبقى المساعدات الخارجية بمثابة حبل الإنقاذ الوحيد، وها هي صنعاء تنتظر هذه المرة حبل مؤتمر لندن الذي أوصى بعقد مؤتمر في الرياض لنسج خيوط الانقاذ الجديد. وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية وانتشار الفقر بنسبة عالية إلا أن اليمنيين لا يكفون عن الإنجاب والتكاثر، فتصبح الهجرة هي الحل المفضل لدى الغالبية. وجل ما يخشاه من بقي في قلبه متسع للفجيعة والحزن هو أن يقرر الغرب نقل مغامرة البحث عن سراب الإرهاب من كهوف أفغانستان إلى جبال اليمن وصحاريه، وفيما لو حدث مثل هذا التدخل بالفعل فإنه سيبدو للعقلاء صباً للزيت على النار.

 

slamy77@gmail.com

تويتر