آفة التحرش.. الأسباب والموانع

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لم يكن شائعاً هذا التحرش بالأطفال قبل بضع سنين، وإن كان من حكايات التاريخ في عصوره الوسطى، وكنا نظن أن العالم العربي ومن يقطنه قد بلغ مرتبة كبيرة من العودة إلى الله تعالى والحضارة الراقية، لكن سرعان ما أدركنا أنه لا عبرة بالظن البين خطؤه؛ لأن البشر المتوحشين لم يزالوا في جهالتهم يسرحون، وفي غيهم يعمهون. لقد آلم وأرق كل ضمير وضعُ تلك الطفلة التي ذهبت إلى مكان التحفيظ فاستدرجها ذلك الذئب الشرس، وهي تمسك كتاب الله تعالى وتعتصم به، فلم يرعو، ولم يرِق لطفولتها البريئة، هذه القصة المؤلمة بعد قصة العيد المفجعة المحزنة، وقبل ليال وردني سؤال من سيدة وهي تبكي من حال عامل يحمل المتاع والأثاث إلى البيت، فلما لم يجد من يتحرش به، صب ماءه الدافق على بعض المرافق! فتوقفت ملياً أربط بين هذه الأحوال التي جعلت كل أب أو أم في شدة وجل على أطفالهم إن هم خرجوا يرتعون ويلعبون، أن تطالهم يد الغدر من مثل هؤلاء الوحوش، فلم أجد رابطاً أكثر من الاستخفاف بالأمن عندما يكون العقاب هزيلاً، وقد قالوا: من أمن العقاب أساء الأدب.. لقد عتبت بل عبت على من ذهب يدافع عمن يتجرأ على هذه الأفعال الشنيعة، ولما قال لي: إن النبي صلى الله عليه وسلم عرض لمن اعترف بالزنا كي يرجع عن إقراره، قلت: لكنه لم يكن في ذلك قتل للنفس، بل لم يكن ذلك فعل قوم لوط، الذي هو شذوذ في الإنسانية، ويأباه الحيوان البهيم، وإنما الوارد عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه»، بل ورد عنه «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به»، يعني إذا كان بالغاً عاقلاً مواطئاً. إن هذه الظواهر التي تطالعنا بها الصحف- وليتها لا تفعل- تقول بلسان حالها: إن الانحراف، وإن كان متقطعاً، لا بد له من نكال يؤدي إلى زوال، ولا بد لمحاربته من تضافر همم الجميع من أبناء المجتمع بكل أشكالهم وأطيافهم، فمن يُرْتب فيه لا بد أن يراقب، ومن يقع في حمأة الجريمة لا بد أن يؤاخذ، ولا تؤخذ به رأفة أبداً، ولا بد أن يشهد عذابه طائفة من المؤمنين؛ لينقلوا للناس زاجر العقوبة، فتكون سبباً لحماية الآخرين. إن التساهل مع المفسدين يُطمِع الآخرين، ويصادر أمن المجتمع الذي حقه أن يُرحم، وأن يطمئن على نفسه وعرضه، ومع ذلك لا بد من محاسبة الآباء والأمهات الذين أهملوا واجب الرعاية لأطفالهم؛ استرواحاً للأمن الذي يضرب بأطنابه في ربوعنا- والحمد لله- ناسين أنه لا بد لكل قاعدة من شواذ يُحترس منها، فمِن مأمنه يؤتى الحذر، فالأولاد أمانة بأيدي الوالدين، والله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ ذلك أم ضيع، فماذا يقول الوالدان إن سُئلا عن رعاية أولادهم وقد تركوهم من غير متابعة لدخولهم وخروجهم، وهم يرون هذه الذئاب البشرية تتربص بهم السوء، وودوا لو أنهم يغفلون؟ ماذا يقولون لأولادهم إن أهملوهم في الدنيا، فهل سيكونون شفعاء لهم في الآخرة؟ وإذا كان العصفور الذي يُقتل عبثاً «يعِج إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب، إن فلاناً قتلني عبثاً، ولم يقتلني منفعة»، أفلا يقول الولد إن أبي تركني هملاً حتى أتى من قتلني عبثاً؟


❊كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

تويتر