مصانع هوليوود للأحلام

قيس الزبيدي

يقدم الناقد عدنان مدانات كتاب «صناعة الأفلام ـ محاور السينما الأميركية»: «إن معظم مقالات هذا الكتاب تقدّم معلومات مفيدة، وتعريفاً مكثفاً ووافياً يتعلق بكل موضوع سينمائي تتناوله، مستمداً من مصادر متعددة في المكتبة السينمائية الأميركية. وينطلق المؤلف من خبرة واسعة ومعرفة عميقة بالظروف المحيطة بصناعة السينما الأميركية، وهذا ما يؤكده، ليس فقط شمولية المادة لأهم عناصر هذه الصناعة تاريخاً وحاضراً، بل، بشكل خاص، غزارة المعلومات المسرودة بسلاسة، والمصاغة بدقة وبموضوعية وبتركيز، وهذا ما ينطبق عليه القول المأثور: كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة».

يتناول المؤلف محمود عبدالرحمن في كتابه ـ صدر في سلسلة الفن السابع (117)/دمشق ـ نحو 80 موضوعا متنوعا، وهدفه تقديم معلومات وافية عن 100 من أفضل الأفلام التي أنتجت خلال قرن من تاريخ السينما الأميركية، التي رافقت تأسيس أستوديوهات هوليوود الكبرى، مع نظامين: أحدهما نظام التكامل بين الإنتاج والتوزيع والعرض السينمائي وثانيهما نظام «مصانع للأحلام». ومن غير الممكن الحديث عن صناعة فن السينما، بمعزل عن هذين النظامين اللذين لازما إنتاج أفلام هوليوود، وجعلا منها سلعة رائجة، هدفها الربح والترفيه، من خلال استعمال أحدث الأجهزة والمعدات التكنولوجية المتطورة في إنتاجها، لجعلها تهيمن، باستمرار، على أسواق الأفلام في العالم.

«ومع أن هوليوود أنتجت أكثر من 7500 فيلم في عصرها الذهبي، أي من 1930 حتى ،1946 «فإن الاعتقاد السائد بين النقاد هو أن عدد الأفلام التي تحتفظ بمكانتها الفنية الرفيعة وقيمتها الترفيهية بين تلك الأفلام، حتى وقتنا الحاضر، لا يتجاوز 200 فيلم، وهي من إخراج عدد لا يتعدى 25 من المخرجين المبدعين». ولأن كل شركة تستثمر نحو 50 مليون دولار في الفيلم، يجعل رجال الأعمال والمصارف ومديري الإنتاج يتخذون، من بداية الإنتاج، قراراتهم الحاسمة في اختيار المخرجين والممثلين والنصوص السينمائية، ويحددون نوعية الأفلام المُنتجة، ليؤمّنوا عوائد إيراداتها السنوية العالمية، التي تبلغ، إجمالياً، نحو 55 مليار دولار، لا تأتيهم، في الغالب، إلا عبر قوانين شباك تذاكر الأحلام. ويؤكد المُنتج المشهور ساموئيل غولدوين على أفضلية الجانب التجاري والترفيهي للفيلم الهوليوودي، بعيداً عن أي رسالة فكرية «إن الفيلم لا يصنع لتوجيه الرسائل، وعلى من يريد أن يرسل رسالة أن يذهب إلى دائرة البريد». ويستنتج المؤلف من كل ذلك أن «الفن شيء رفيع، لا يمكن إنتاجه في خطوط التجميع أو مصانع الجملة، بما في ذلك في «مصانع الأحلام»!

لماذا يحتاج البشر إلى مصنع لأحلام لا تتحقق في الواقع؟ يخبرنا بيتر بيشلين في مقدمة كتابه «الفيلم كسلعة» أنه كلما زاد حرمان الناس في الواقع، أصبح من الضروري تعويضه، عن طريق إشباع رغبات الخيال عندهم. ويساعد الإيهام بالواقع، الذي تنتجه الصور السينمائية، على تصوير الواقع نفسه، لكنه يساعد، أيضاً، على خلق واقع بديل آخر، يهدف، أساساً، إلى مسايرة إشباع رغبات الخيال الجماعي، وبالتالي، تلبي عملية صناعة الأحلام وظيفتها المهمة في تأسيس دعامة متينة لاستقرار النظام الاجتماعي المسؤول نفسه عن الحرمان.

alzubaidi0@gmail.com

تويتر