من المجالس

عادل محمد الراشد

نظرة على تعليقات القرّاء العرب على خبر اعتذار «إسرائيل» لتركيا بعد إهانة سفيرها في تل أبيب، تكشف حجم الفراغ الذي خلّفه النظام العربي في الوجدان العربي، أكثر مما خلّفه على الساحة السياسية. وكأنّ المواطن العربي أراد ذيل خيط يتعلّق به لكي لا يتردى إلى الأبد في حفرة تكون المثوى الأخير لكرامته، بل لوجوده كائناً حضارياً وإنساناً ذا جذور. على كل المواقع الإخبارية تعاقبت التعليقات والتعقيبات، وتنوّعت في عباراتها وجملها وطولها واختلاف تعبيراتها، ولكنها اتفقت على الترحيب بعودة الدور التركي «القائد» لإعادة الكرامة العربية والإسلامية المهدورة.حول هذا المعنى دندنت معظم التعليقات، وعبرها نعت الكثير منها دور النظام العربي في استعادة الحقوق المسلوبة والدفاع عن الكرامة واستعادة الهيبة والقدرة على المنافسة في عالم سخّر كل شيء، جميل وقبيح، في سبيل الإمساك بزمام القوة. ولاشك أن عودة تركيا إلى شرقها المأزوم تطور يعيد التوازن للكثير من الأمور التي ازدادت اختلالاً في فلسطين وفي بقاع أخرى من بلاد العرب والمسلمين، ويعيد الأمل باتساع مدى العمق الاستراتيجي للعرب، ويمنح القضية الفلسطينية المزيد من الأوراق التي تساعدها على إجبار العدو على وقف زحفه المتواصل على طريق الاستئصال الكامل. ولكن عودة الدور التركي في الجانب الآخر تكشف حجم التأخر الذي أصاب دور النظام العربي، الرسمي والأهلي، ودرجة التقزم التي وصل إليها، ومستوى التأزم الذي يعانيه إلى درجة فتحت المجال واسعاً لإيران قبل ذلك لتكون رقماً رئيساً في الكثير من قضايا البيت العربي لتجد نوعاً من الترحيب كآخر قشة يمكن التعلق بها لمواجهة الاجتياحين الصهيوني والغربي لكل تفاصيل الحياة العربية.

العمق الإسلامي مطلوب لأنه يؤكد حقيقة تاريخية وجغرافية وثقافية، ولكن هذا العمق يحتاج إلى مركز يكون في المستوى المطلوب. وإذا لم يمسك النظام العربي بالمبادرة ويعيد النظر في فهمه لأسباب القوة ويتمسك بمركزه القيادي فإن مياهه ستنحسر وأطرافه ستنكمش أمام تمدد أدوار الآخرين، عندها لن يكون هناك أي وجود للنظام العربي في الوجدان العربي.

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر