يغيب الشعر

أحمد السلامي

طبقاً للترتيبات التي يجريها فريقان من الشعراء في مصر، من المقرر أن تحتضن القاهرة في مارس المقبل ملتقيين شعريين يتغنيان بليلى واحدة، وليلى الجميلة الفاتنة لدى الفريقين المتنافسين هي قصيدة النثر. وكان العام الماضي شهد انعقاد مهرجان رسمي للشعر أقصى شعراء النثر المصريين، ما جعلهم يتوحدون مؤقتاً تحت يافطة رفض الإقصاء الرسمي الذي طالهم، وعقدوا الملتقى الأول لقصيدة النثر.

حقق الملتقى الأول نجاحاً ملحوظاً، لكنه لم يخلُ من الحماسة والخطب الثورية، لأن من قاموا بتنظيمه جعلوا مبادرتهم ترتهن لهاجس مباشر، هو الرد على المهرجان الرسمي الذي استبعدهم من جدول فعالياته. وحين جاء وقت العمل للتحضير للملتقى الثاني، اختلف أعضاء اللجنة التحضيرية، وبدأت الصحف والمواقع الإلكترونية تنشر منذ فترة أصداء الانشقاق والاتهامات المتبادلة.

الغريب أن الانقسام الحاصل بين الطرفين لا ينهض على أي مبررات ثقافية، تتصل باختلاف الرؤى، كما لا يشي بوجود تعدد واضح في زوايا النظر لشعرية قصيدة النثر، بل إنها مجرد خلافات شخصية تخلو من أي جوهر يبرر القطيعة.

وفي الحالة القائمة، غاب عن أذهان المنشغلين باستقطاب الأنصار أن إقامة ملتقى لقصيدة النثر بأفق عربي لا يُعد حدثاً عابراً، إلا إذا كانت حفلات الزار الموسمية التي تقيمها المؤسسات الرسمية قد تغلغلت في وعي المتخاصمين، وجعلتهم يفرغون الحدث من مضمونه قبل أن يبدأ.

ثمة طرف يضم أسماء عديدة تشكل غالبية، ومن حقها أن تقاوم محاولات اختطاف الملتقى، وثمة طرف لم يعد بمفرده، بعد أن حشد آخرين باتت الفكرة تتملكهم بعناد.

وربما يظن الطرفان أن استقلال مبادرة الملتقى عن التمويل الرسمي يعد مؤشراً كافياً لظهورها بصورة مختلفة عن الفعاليات الشكلية، وهذا غير صحيح، بدليل أن الاستقلالية وحدها لم تفلح في تحرير المبادرة من الغرق في شكليات التحضير. وفي غياب الشراكة، يتعزز الاحتكار ويتأجل التفكير في كيفية جعل ملتقى من هذا النوع يتجاوز فكرة التناوب على المنصة.

ليس صحيحاً كذلك القول إن انعقاد ملتقيين في الآن ذاته، وتحت شعار واحد، فيه إثراء للساحة الشعرية، فمثل هذا القول لا يعني سوى التبرير لسلوك غير ثقافي، يشير إلى تماهي المثقف مع نزعة التسلط التي تتجلى في حياتنا العربية على أكثر من صعيد.

لا نعرف حتى الآن كيف يتوقع المعنيون في مصر أن تكون انطباعات الشعراء العرب تجاه هذا الانقسام العبثي، فمع من يتفق أو يختلف الشاعر العربي الذي يجد اسمه ضمن المدعوين في قائمتين متنافرتين. هل يذهب إلى نقابة الصحافيين، حيث ينعقد الملتقى الثاني لقصيدة النثر، أم إلى اتحاد الكتاب الذي يتبنى في التوقيت نفسه الملتقى العربي لقصيدة النثر؟

وفي ظل استمرار الجدل وزحام المدعوين، الأرجح أن الشعر هو الغائب والمقصي الوحيد، ولو أن شعراء مصر استحضروا دهشة الشعر وحريته وتسامحه، لما حدث هذا الشرخ.

 

slamy77@gmail.com

تويتر