ذكريات بمقهى في «دبي مول»

سامي الريامي

في زاوية من زوايا مقهى «فوشون» الذي يعد واحداً من أرقى وأغلى «الكافيهات» في العالم في الطابق الأرضي من «دبي مول»، جلس أحمد وبجواره عادل، كغيرهما من رواد هذا المقهى الفاخر، يتبادلان أطراف الحديث المختلفة، ويستعيدان جزءاً من ذكريات الماضي..

كلاهما أمضى سنوات من عمره، وهو يعمل في المنطقة العسكرية الوسطى في دبي، قبل أن يتجه إلى العمل الخاص، ويبتعد عن العسكرية.

والمنطقة العسكرية، كما يتذكر كثير من سكان دبي، كانت تشغل مساحة شاسعة من الأراضي، تمتد مما كان يعرف بـ «دوار الدفاع» الذي تحول اليوم إلى تقاطعات «الخليج التجاري» بجانب «دبي مول»، إلى فندق «متروبوليتان» الحالي.

في نهاية التسعينات، قرر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم دمج المنطقة العسكرية في دبي بالقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة، معلناً بذلك توحيد القوات تحت لواء الدولة الاتحادية.

ولا أخفيكم أن هذا القرار لم يعجب البعض، لكن ذلك لم يغير في فكر ورؤية محمد بن راشد شيئاً، فهو يعرف تماماً ما يريد، وهو مؤمن إيماناً كاملاً بضرورة تقوية الجسد الاتحادي، فلا وجود لدبي من دون أبوظبي، ولا يمكن أن تتطور أي إمارة بمعزل عن الأخرى. والإمارات بشكلها الاتحادي القوي، هي الهدف الأسمى الذي يسعى إليه. كان ذلك قبل أن يكون محمد بن راشد نائباً لرئيس الدولة، ولم يكن قد تولى بعد مهام رئاسة مجلس الوزراء. ومع ذلك فقد كان إماراتياً إلى أبعد الحدود.

ولنعد إلى أحمد وعادل اللذين أخذا يتذكران أيام عملهما في المنطقة العسكرية، ووصل بهما الحديث إلى تحديد قطعة الأرض التي يجلسان عليها حالياً في أكبر مركز تجاري في العالم، وفي أرقى كيلومتر مربع على وجه الأرض- كما يحلو لـ«إعمار» وصف هذه المنطقة- ويقابلهما «برج خليفة» الذي استعادت به دبي للعرب لقب «صاحبة أعلى بناء في العالم»، بعدما انتزعته كاتدرائية لينكولن البريطانية في عام 1311 من هرم الجيزة في مصر. هذه المنطقة الصغيرة نواة لمشروع ضخم كُلفته 20 مليار دولار.

أخذا يحددان الموقع أكثر فأكثر، ففي طرف دوار الدفاع، كان هناك «استاد المنطقة» حيث تقام المباريات والأنشطة الرياضية للعسكريين، وقبل الوصول إلى موقع «دبي مول» بمئات الأمتار كانت هناك «سرية الذخيرة».

أما المنطقة التي يجلسان فيها، التي تعد أهم وأفخم منطقة في «المول»، وتضم إلى جانب الكافيه الشهير، «كافيه» آخر هو «أرماني». وهو أيضاً أحد أرقى الكافيهات، وحولهما أرقى الماركات العالمية «شانيل»، «ديور»، «ال في»، «دوتشي جابانا»، «رالف لورين»، «هيرمز»، وكثير غيرها، فكانت تقبع هنا، في البقعة ذاتها، قبل 10 سنوات فقط، سرية «تدريب الكلاب البوليسية».. فهل هناك إعجاز وإنجاز أكبر من ذلك؟

«برج خليفة» ليس طوابق مرتفعة تخترق السحاب، وليس أعمدة صلب تكفي لتغطية ربع محيط الكرة الأرضية إذا امتدت، إنه إنجاز حضاري أهدته دبي إلى العالم. وهو انعكاس واضح لبعد النظر، وشجاعة اتخاذ القرار، والرؤية السليمة، وتحويل الرمال إلى ذهب.

إنه انعكاس لشخصية محمد بن راشد الوثابة، وطموحه الذي لا يحده ارتفاع.

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر