ماري كريسماس يا إسماعيل

سالم حميد

وصل إليّ منذ أيام قليلة طرد بريدي من أمستردام من صديقي العزيز الهولندي العجوز إسماعيل، يحتوي على هدية بسيطة عبارة عن معجم جديد له من اللغة العربية إلى الهولندية، ولكنه هذه المرة معجم مختص في ترجمة معاني القرآن الكريم بطريقة إيجابية، وهدية إسماعيل جاءت ممهورة بتوقيعه، قائلاً بالعربية «مع النسمات الهادئة والضياء الذي يعم أرجاء المعمورة معلناً قدوم عيد الميلاد المجيد، أبعث إليك بأسمى آيات التهاني والتبريكات، راجياً من المولى القدير أن تكون والأسرة الكريمة بصحة وعافية، أعاده الله عليكم وأنتم ترفلون في حلل غالية من السعادة والرفاء»، مع العلم أن إسماعيل له الكثير من الإصدارات والمساهمات الدولية في مجال اللغة العربية.

في شهر أكتوبر الماضي كنتُ في مدينة ميونخ الألمانية بصحبة شقيقي الأصغر الذي كان يجري عملية جراحية، ونظراً لعدم إجادتي اللغة الألمانية طلبت من إسماعيل الحضور إلى ميونخ، فهو يتكلم الألمانية بطلاقة، قائلاً له «التذكرة عليك والسكن عليّ»، فالمسافة مجرد ساعة واحدة فقط من أمستردام إلى ميونخ، وكنت في البداية أسكن بالقرب من المستشفى، ولكن أخي انزعج كثيراً من الفندق واصفاً إياه بفندق المشركين، فبحثت عن سكن آخر في منطقة للمسلمين، واخترت شقة مفروشة في منطقة للأتراك، وفي أحد أيام الجمعة طلب مني أخي الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، وكان إسماعيل بصحبتنا، وذهبنا معاً إلى أحد المباني التي تحتوي على مسجد بداخله، وعندما أردنا الدخول استوقفنا بعض الأتراك من العاملين في المسجد قائلين إن هذا المسجد مخصص للأتراك فقط وإنه علينا الدخول إلى غرفة صغيرة بجوار المسجد، فهي مخصصة لبقية الجنسيات الأخرى من الراغبين في أداء الصلاة! حينها، رأيت نظرات غضب من إسماعيل وأوشك على الانفجار مما سمع، ورد عليهم بالألمانية قائلاً: ومنذ متى أصبحت بيوت الله مخصصة لجنسية معينة دون غيرها؟! والله في كتابه العزيز يقول {يَا أَيهَا الناسُ اتقُوا رَبكُم الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (النساء: 1)، أما رسول الله فقد قال «الناس سواسية كأسنان المشط». ثم قام إسماعيل وفتح الغرفة المجاورة للمسجد التركي ولاحظ أن أغلب المصلين فيه من الأفارقة البسطاء، فنظر مجدداً إلى الأتراك قائلاً «هذه الغرفة لا تصلح أن تكون حتى مخزناً»، ثم نهر المصلين وأخرجهم من الغرفة وأدخلهم إلى المسجد رغم أنف الأتراك الذين أحرجوا من ردة فعل هذا الأوروبي المسيحي، ثم همس أخي في أذني قائلاً «الصراحة صاحبك إسماعيل هذا واحد أنتيكة!».

في أعياد الميلاد العام الماضي دخلت إحدى كنائس أمستردام بصحبة إسماعيل واستمعنا إلى ترانيم وتراتيل عيد الميلاد الكنسيّة الجميلة، أما ما هو أجمل فتبادل التهاني القلبية بين جميع الطوائف والملل في مناسباتهم وأعيادهم، فالقلب المحب يسع الدنيا، والتسامح زينة الفضائل، أما الكره فهو مجرد سلاح ضعيف، وبدوري أهنئك يا إسماعيل ماري كريسماس.

تويتر