موسيقى لعام جديد

حازم سليمان

هل كان عامك سيئاً إلى هذه الدرجة؟

هل كنتِ وحيدة إلى الدرجة التي عدتِ فيها مرات ومرات إلى ذلك الصندوق المخبأ بعناية فائقة بين ثيابك الشتوية لتعيدي قراءة بضع رسائل عليها الكثير من الأختام والطوابع، وتبكين في اللحظة التي تقرأين فيها اسم المرسل الذي لم يُعد يُرسل، وضاع مثل طير كنت تراقيبنه من البعيد.

أعرفه جيداً ذلك الشعور بالمرارة، وذلك الثقل في الأطراف وأنت تغادرين مدخل البناية بشعرك المبلل وعلى وجهك ابتسامة ناعمة صالحة للجميع. وأعرف أيضاً أنك في لحظات تتمنين تمريغ وجهك بغيمة عابرة، أن تتخلصي من الحنين. الحنين الملتبس لأشياء تشبه انتكاسات مرض لا ينتهي.

هل ينتابك ذلك الشعور بالخيبة؟ مثل مقطوعة موسيقة قديمة مشوشة على« اليو تيوب» تحيد عنها الأصابع. أو مثل بيانو وحيد في بيت امرأة عجوز.... حسناً ما رأيك أن نجلس قليلاً وننصت للموسيقى، ولامانع أيضاً من سيجارة بطيئة، وفنجان من الكاكاو الساخن جداً، أن تلصقيه بوجهك البارد، وأن تُنصتي لي قليلاً... سأحدثك عن رجل وحيد يشعر أن عامه كان سيئاً أيضاً، وأنه وحيد مثل وعلٍ في غابة بيضاء، يدس فمه في الثلج ليخرج قليل الأرض وشحيحها، ويركض في ذلك السهل بعد أن يستنشق رائحة بعيدة، يركض ويركض ويكبر السهل على خطواته المتعبة، فيجلس ليبدد الوقت بحك جسده بجذوع الاشجار القاسية.

أعجبتك الموسيقى؟.. دعيها إذاً تدخل دورتك الدموية، أغمضي عينيك وأنت تتذوقين طعم الكاكاو ببطء قبل أن تبتلعيه، ولا تنسي أنني أجلس قربك تماماً، ليس لشيء، بل لأننا شركاء في الخيبة، لذلك لن أتردد في أن أحرك لك الفنجان كلما تطلب الأمر، ولن أتردد في أن أسألك:



هل اكتشفتِ مثلي يوماً أن أمك التي علمتك الحرية، وأن تأخذي حقك بيديك عاشت وماتت خلف سور البيت، وأنها لم تستخدم يديها إلا للتنظيف والطبخ، وأن همسها المُبهم لم يكن غناءً ولا دندنة، بل انها كانت تدعو طوال الوقت أن يخلصها الله مما هي فيه؟



هل اكتشفتِ مثلاً أن والدك كان قاسياً جداً ومخطئا في الكثير من الأفكار التي علمك إياها، وأن الطاعة العمياء لم تكن أكثر من تدريب على طاعة مئات الآباء والطغاة الصغار الذين ستواجهينهم لاحقاً؟



هل فكرتِ فجأة أن اسمك لا يعنيك، وأنه في نهاية المطاف ليس إلا مجرد مفردة اختارها أهلك ليتذكروا أشياء تعنيهم وحدهم فقط، وأن الرجل الذي أحببتيه لم يعد نفسه الذي كان ذات يوم يُلهب أعصابك ويبكيك عند أدنى أغنية، وأن ذات الرجل لم يعد يرى فيك مدينته، وأنك منذ زمن بعيد تحولت في نظره إلى مجرد ظل ثالث؟



ربما كان عامك سيئاً، لكنها أشياء تحدث كثيراً. الخيبات، الوحدة، الفشل، الأفكار المُضَلِله، الحب الذي يتبخر بسرعة بخار هذا الكاكاو الذي نشربه معاً، وأحدثك عن أحزان رجل وحيد لم يفعل شيئاً سوى مغافلة الزمن، ولذلك راح يكبر ويكبر إلى أن ضاقت عليه كل أحذية العالم، ومقاعد الدراسة، وصار أكبر من خزلان الاصدقاء.

...

أعجبك الكاكاو...

ما رأيك بكوب آخر وسيجارة بطيئة وموسيقى.

أو أن نذهب معاً لنسرق ذلك التفاح الجبلي الأخضر. ليست سيئة جداً تفاحة خضراء على حواف عام عجوز يسترق النظر إلى حياة موجزة.

أو تعالي نسمع الموسيقى فقط.

hazemm75@hotmail.com

تويتر