الإمارات غير

ميره القاسم

ما إن تظهر مشكلة عربية صغيرة للعلن، أو يحدث اختلاف في وجهات النظر، حتى تبدأ وسائل الإعلام في اختلاق معركة وهمية لا تنتهي ذيولها أو تشعباتها حتى أمد يطول أو يقصر، تبعاً لنوع المشكلة وماهيتها. وتختلف حدة هذه المعارك من مشكلة لأخرى؛ فأحياناً تكون مباشرة، صريحة، من دون التفاف أو مواربة، وأحياناً تأتي بصيغة رمزية لا تخلو من استثارة رخيصة تنبري لها بعض الأقلام والفضائيات.

الطريف أن هذه المعارك الإعلامية سرعان ما تتوقف ويخبو أوارها، بمجرد أن تتفق الحكومات وتنهي الخلاف، وما إن تنقشع الأزمة وتزول ضبابية الرؤية، حتى يتحول الإعلامي «الغلبان» الذي دخل إلى المعركة الإعلامية من دون دراية بأبعاد اللعبة السياسية إلى «أطرش في الزفة»، كما يقول إخوتنا في بلاد الشام. فيبدأ في تحليل الموقف، والربط بين الأحداث، ويخرج بالتالي بنتائج سطحية لأنه يحلل الأحداث بفطرته ومن دون الاستناد إلى معلومات دقيقة أو بعد نظر سياسي، فيسبب له وللمجتمع «منخوليا سياسية» ليس لها بداية أو نهاية بدافع الوطنية والشعار العربي القديم «وإن ترشد غزية أرشدِ».

لهذا ولغيره، أنا معجبة بسياسة وطني الإمارات في إدارة الأزمات والاحتكاكات العربية / العربية، التي تعودنا عليها وعلى أسلوب الإعلام المساعد في تهييجها من فترة لأخرى. وكمواطنة أتابع بكل إعجاب الإدارة الواعية في التعامل مع الهجمة الشرسة والمنظمة على اقتصادنا الإماراتي من بعض كتاب الرأي، وإعلاميي «الاصطياد في الماء العكر». وأتابع بفرح سياسة الاحتواء التي تلعبها باقتدار رموزنا الوطنية في التعاطي مع هذا الموضوع، ورفضها الدائم للانسياق لسياسة الردود العقيمة، والتصدي للاتهامات الوهمية التي تلفق من قبل البعض لتشويه منجزنا الوطني، ومحاولة إخفاء قوة التماسك ومثالية العلاقة بين إماراتنا، رغم أنها واضحة وضوح الشمس.

مفهوم أن تشتعل الغيرة الوطنية في نفس المواطن المحب لتراب الوطن، خصوصاً حين يقرأ لمن يحاول يائساً التطاول على مسيرتنا أو تشويه منجزنا الوطني، لذلك أقول له: «لا تحزن»، وانظر إلى شوارع إماراتك الحبيبة، و«طالع» في وجوه الناس سترى كيف جذب اقتصادنا المتين كفاءات وقدرات إقليمية وعربية وعالمية، وستجد الجميع موجوداً هنا للتكسب من اقتصادنا، كما أن العودة لأرشيف كتاب الرأي المنتقدين ينبئك بأنهم كتبوا إلى أن جفت أقلامهم عن الإمارات، وعن أمنياتهم في أن تصبح مثالاً يحتذى به في دولهم.

أنتظر أن نصبح «غير» في الإمارات، ونمتنع عن الدخول في المعارك الشعبية، فالكتاب المأجورون لا يمثلون إلا أنفسهم، والتقارير والمواد الإعلامية التي يخجل أصحابها من وضع أسمائهم عليها، يجب ألا تقرأ في زمن الوضوح، فالكتابة عن الاقتصاد تحتاج لعلم ودراية وتخصص، والتعامل مع الأرقام والنتائج والمشروعات الاقتصادية العملاقة ليس مفتوحاً للجميع، وليس مجالاً خصباً لاستعراض ثقافة من توقف تحصيله العلمي على حفظ جدول الضرب والقاعدة النورانية. لننسَ سياسة العويل والتهويل التي تنتهجها بعض وسائل الإعلام العربية، فقد تعودنا عليها بعد ظهور بوادر الأزمة العالمية قبل عدة أشهر، وربما توقعنا حينها أن الشعب الأميركي «قد يتسول» لفرط ما قرأناه من تهويلات في الصحافة العربية، وما سمعناه من تقارير في القنوات الفضائية، وها هي الآن تحول سهامها لنا، لذلك أقول لكم: استمتعوا بإماراتكم، ولا خوف على اقتصادها وخيراتها التي خصكم بها الله، وافتحوا قلوبكم للشعوب ولا تحاسبوهم بما فعل سفهاؤهم.

تويتر