زمن آخر لك..

حازم سليمان

ماذا يليق بك؟ أن أفكر حين تخطرين على بالي بقوة لمعة برق، أو ضربة سيف على رقبة. أو حين أنهض من نومي الثقيل كطعم سيجارة لفّ، أجر خلفي ثوراً برياً اصطدته لك، وأراك تُدخنين وتتمشين حافية في الفناء الخلفي الشتوي لعقلي.. كعادتك بلا معطف.

هل البكاء نافع هنا؟

هل غسل الوجه بماء بارد، أو دعكه بقطع الثلج يُبشر بصحوة مؤقتة من هول تأخرك ربع قرن عن الموعد؟

أم عليّ مثلاً أن أفكر بغابة سحرية مضاءة بالأرواح مثل فيلم «أفاتار»؟

وأن أقرر خوض حرب مغمض العينين بلا هداية ولا تفكير بعاقبة أونهاية؟ أو بمدرسة قديمة نمشي إليها في برد يقضم أنوفنا الصغيرة؟ أو بتلك الأرجوحة القديمة «فرحتنا الوحيدة» التي كان صوتها يشبه صراخ امرأة تستغيث؟

ربما كان عليّ أن أسبقك بخطوة، أن أراك وأنت تتعلمين تنقية العدس، والبرغل، واختيار البقدونس المناسب لتبولة عيد الميلاد، وأن أراك وأنت تتعلمين تقطيع اللحمة بحجم رأس عصفور، وتسألين لماذا رأس عصفور؟ لماذا كل هذه القسوة؟

أو كان عليّ أن ألطمك على يدك الصغيرة وأنت تشترين بفرحة غامضة أول قلم حُمرة، كان عليّ أن أكون هناك لأمنعك من دمغ شفاهك به، وألا تقفزي بسرعة فوق الساعات والأعوام وتصيريين فجأة امرأة في الثلاثين. بعض النساء عليهن البقاء في الدار، ألا يكبرن أبداً، بعض النساء تليق بهن طفولاتهن، أن يختبئن فيها ويقضين العمر بدهشة طفل يصعد باص المدرسة للمرة الأولى.

ماذا يليق بك؟ أن أفكر وأنا المشتت مثل كمشة رمل منثورة فوق هاوية.. كيف لي جمع شتاتي في كل الأمكنة التي عشتها؟ كيف لي أن أستعيد قلبي الذي قسمته كرغيف خبز بين أناس لم يستسيغوا طعمه لكنهم أكلوه؟ هل يصير القلب يابساً مثل رغيف؟ هل يتجمد مثل لحم في ثلاجة؟ هل يليق بك مابقي مني؟ كائناً مُلتبساً بربطة عنق.

ألا توافقونني أن عمراً واحداً لا يكفي أبداً وأننا بحاجة لعمر موازٍ نعيشه بخيارات منتهية؟ وأن نصف أعمارنا وأكثر نقضيها في امتحانات صعبة ومرهقة قبل أن نُدرك ماذا نريد تحديداً ولكن بعد فوات الآوان؟

ماذا لو اكتشفت امرأة مكبلة بزوج ثقيل دَمّر عُمرها، أنه كان عليها اختيار ساعي البريد الذي كان يسلمها رسالة بيضاء كل يوم، من دون أن تفهم معنى ذلك.

ماذا لو اكتشف رجل في السبعين أنه غير معني بنجاحات أولاده، وكل هؤلاء الاحفاد، وأن حلم حياته كان أن يقود دراجة نارية في شوارع العالم؟

ماذا لو اكتشف عصفور أن كل هذا الطيران لا يعنيه، وأن قفصاً صغيراً على شرفة هو ما يريده تماماً؟



.....

ماذا لو اكتشفت أني أحبك..

هل سيحتمل قلبي كل هذا الحزن؟

 

hazemm75@hotmail.com

تويتر