تَخلق بأخلاقه.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

من منا يجهله، ومن منا يعمل به؟ ذلك موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أعرابي على غير الإسلام ادعى عليه زوراً أنه مدين له وفات موعد السداد، والدين على بيت المال لا على النبي، وموعده لم يحن بعد، لكن الرجل اختلق التهمة وجذب النبي صلى الله عليه وسلم من ملابسه قائلا: إنكم مُطلٌ يا بني عبدالمطلب، وعلى مرأى ومسمع من الناس، ومنهم الفاروق عمر، الذي اندفع من غيرته يريد الفتك بالأعرابي، فإذا بالنبي يحول بين عمر والرجل قائلاً: كنت أنا وهو أحوج إلى غير هذا منك يا عمر! هلا أمرتني بحسن الأداء وأمرته بحسن الطلب؟

ما أروعك يا رسول الله، يا من وصفك ربك بأنك على خلق عظيم، وحقاً إنما بعثتَ لتتمم مكارم الأخلاق، فالدين ليس عليك، والسداد لم يحن بعد، وأنت ولي الأمر الذي حرمت كل الشرائع الوضعية قبل السماوية التطاول عليه، والرجل تطاول عليك باللفظ والفعل، بل وسب أهلك، ولو عاقبته أشد العقاب لكان واجباً تجاه من تجرؤ بمثل هذا على ولي الأمر، ومع هذا وأنت القادر عليه تلوم فيه عمر! بل تقول: خذه يا عمر إلى بيت المال واعطه ضعف ما طلب جزاء ما رَوعتَه.

وعمر يتميز غيظاً والرجل يبتسم، وفي الطريق إلى بيت المال يقول: لعلك في ضيق مني يا عمر؟ فيجيبه: ولولا أمر رسول الله لقتلتك، فيقول: إذاً فاسمع

يا بن الخطاب، لقد حيرتني أخلاق محمد في سموها، حتى وجدت في كتبنا أن صفات آخر الأنبياء تنطبق عليه، غير صفتين دفعني الفضول إلى استكشافهما، قرأت أن أعلى ظهره نقش خاتم النبوة بخط القدرة فجذبت ملابسه لأراه وقد رأيته، وقرأت أنه شديد التسامح مع من سفه عليه فبالغت في السفاهة عليه لأرى مبلغ حلمه، وقد أيقنت عجز الناس عن بلوغ حلمه، فالآن يا عمر أُشهِدُك أني أشهد ألا إله إلا الله وأنه حقاً محمد رسول الله.

أحسن إلى الناس تستأسر قلوبهم فطالما استأسر الإحسان إنسانا

رَد السيئة بمثلها وأكثر يستطيعه كل البشر ويتقنه أقلهم أدباً، أما ردها بالإحسان فلا يقدر عليه إلا الأقوياء، وكلما كان الإنسان أكمل خُلقاً ابتُلي بالسفهاء، حتى من أهله ومن أقرب الناس إليه، كما ابتلي النبي المعصوم ليكون مثلاً يحتذى، وابتلي كل الصالحين من بعده ليختبر الله صدقهم وإخلاصهم، فمن يعمل الخير إيماناً واحتساباً وليس للنفس منه حظ، لا يتراجع أبداً عن حسن خلقه، بل ولا يستطيع، لأنها طبيعته ويعمل بفطرته بوصية جبريل لما نزل قوله سبحانه {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}. فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من منعك وتعفو عمن ظلمك، فقال صلى الله عليه وسلم «ليس الواصل بالمكافئ»، أي أن الذي يزور من زاره ويعطي من أعطاه، أي يكافئ من أحسن إليه ما فعل معروفاً بل سداد دين، أما الواصل فهو الذي يصل من قطعه، وصدق الله {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.

يخاطبني السفيه بكل قبح وأكـره أن أكون له مجيبا   يزيد سفاهة فأزيد حـلما كعود زاده الإحراق طيبا

 المستشار التربوي لبرنامج »وطني«

تويتر