لا تدخن في الإحرام.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

وقف طبيب البعثة بين الحجاج يبصرهم بضرورة الأخذ بوسائل التحصن والوقاية من أمراض الازدحام كافة، التي تنتقل عادة عن طريق العطس واختلاط الأنفاس واستعمال الأدوات الشخصية للغير، ثم قال: وأوصيكم بصفة خاصة بالبعد عن المدخنين، فإن الدخان الخارج مع الزفير أشد خطورة وأكثر إضراراً وحملاً للأوبئة منه قبل تدخينه، لذا سمي بالتدخين السلبي، وليس الكلام عن خطورة التدخين من عندي إنما هي أبحاث أجمع عليها أطباء العالم ما جعل منظمة الصحة العالمية تسجل الأمراض الناجمة عنه، والعناصر المسرطنة الكامنة فيه، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الدراسات المنتشرة، أما ونحن في ظروف الحج، فيكفي أن نعلم مثلاً أن مادة (سيانيد الهيدروجين) التي تستخدم كإبرة إعدام فوري في المحكوم بإعدامهم في بعض دول الغرب هي من ضمن عناصر الدخان، و(أول وثاني أكسيد الكربون الخانقان السامان، والنيكوتين والقطران)، وغيرها من العناصر التي أدرجتها منظمة الصحة قبل أن تلزم جميع الشركات المنتجة لأصناف الدخان بكتابة عبارات تحذيرية واضحة، بدأت بأن التدخين ضار بالصحة وانتهت بأنه قاتل مميت، فالمدخن حين يَنفُثُ دخانه في هواء يتنفسه الحجاج إنما يضخ في صدورهم مئات العناصر السامة القاتلة، وهنا تناول منه واعظ البعثة الحديث، فقال: وعليه أيها الحجاج فإن كان من محظورات الإحرام الرفث والفسوق والجدال، فلن نجادل في كلمة الطب، ولن نفسق بأي إيذاء للنفس ولا للغير، لا بهمزٍ ولا بلمزٍ ولا بكلمة مؤذية بل ولا بقطع نبات ولا بتهديد صيد، حتى يأمن الحيوان والجماد من الإيذاء، فهل لا يكون التدخين (موجبه وسالبه) من أشد محظورات الإحرام، ويكون تركه من الواجبات؟ وهل يوصي المولى سبحانه الحجاج والعمار بكف الأذى منذ بداية الإحرام عند الميقات، ثم ينفث أحدنا سمومه على المئات والألوف من البشر والحيوان والنبات؟ فما مفهوم الإحرام إذن وما معنى مطلق الأمان، فضلاً عن تحكم شهوة المحرم فيه فيؤذي الملائكة بريحه ويؤذي نفسه والناس، وإن تعْجبْ فالعجب من منظر محرم يلبس البياض ويحرص على طهارة النفس والبدن ثم يمشي مدخناً بين المُلَبـين الضارعين، وفاته أن يبدأ بإحرامه محاولة التخلص، ولو مدة الإحرام، من شهوةٍ هو نفسه يتمنى الخلاص منها، وفاته أن الله يقول {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا}، وفاته أن الإحرام والتلبية إعلان عن رغبة الإنابة، وطلب العفو، والإعانة على الاستقامة، من رب كريم يباهي بأهل الجمع ملائكته، قال الواعظ أعجبني والله كلام الطبيب، وما تقوم به إماراتنا الحبيبة من حملات للإقلاع عن التدخين ببيان مضاره وخسائره وضحاياه، وذكرني بقول الله عز وجل عن أهل النار سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار، فأحسست وكأني حين أدخن - والقطران عنصر فيه- وأنفُثُ الدخان فيصعد على صفحة وجهي أعذب نفسي بالصفة التي ذكرها الله!

وإني لأتمنى أن ينظر أهل الإفتاء في التدخين وقت الإحرام بما يحمل من أذى للنفس وللغير، كما يحمل ضرراً لا يمكن رده، وهل فاعله ترك واجباً أم وقع في محظور؟ وهل عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.

mustafa@watani.ae

تويتر