آلية التناسخ

ميره القاسم

نحدق أحياناً في وجوه بعض الأشخاص الذين نلتقيهم مصادفة، ومن ثم نبدأ في مقارنتهم من الناحية الشكلية ببعض معارفنا والقريبين من محيطنا الاجتماعي، ولا نجد دائما في قاموسنا اللغوي المحكي وصفا أدق لهذه الحالة، إلا ترديد المثل الشهير «يخلق من الشبه أربعين».

في المقابل، أعتقد أن هذا الأمر ينطبق أيضا على الأنظمة السياسية القائمة والأحزاب، وحتى الحركات التي ترفع شعار الثورة وتحقيق العدالة الاجتماعية؛ فوجوه أصحابها لا تختلف كثيرا عن تلك الوجوه التي نراها في حياتنا، فمنها المتشابه والمتطابق تماماً، ومنها ما هو مختلف ومتفرد بتقاسيمه الخاصة التي لا تشبه أي وجه من الأربعين المعتمدة شعبياً، لأنها تنتهج تغليب المصلحة العامة وتتمتع بالنضج الوطني، وما أقلها!

ومن يطالع ما تنقله وسائل الإعلام الرسمية، في الوقت الراهن عن أحداث اليمن وما يقوم به الحوثيون، لا يجد أمامه إلا صورة متطابقة تماما لما أحدثه حزب الله في لبنان من سنوات طويلة، فكلاهما أعلن انتماءه من سنوات للثورة الإيرانية، وقبل كل منهما بإرادة تامة أن يصبح أحد فروعها، وأن ينوب عنها (عن طريق المساومة على القضايا الوطنية واستغلال الفرص المؤاتية لفرض النفوذ وممارسة الضغط على الحكومة)، لنيل مساحة أكبر وحرية أكثر لتمثيل الثورة، ولإطالة يدها التي تبطش بها وتمكنها من التأثير في سياسة المنطقة بشكل عام، كما تعتقد، ولتساعدها على ضرب خصومها داخل الوطن الذي تنشئ به تحزباتها التي تمثل منهج ثورتها ويمتثل لأوامرها بانقيادية تامة، أما الفارق الوحيد الذي نستطيع أن نفرق به بين الفرع اللبناني والفرع اليمني؛ فهو أن الثاني قتل في مهده قبل أن ينشر شعاراته وأهدافه، وقبل أن تدفع له الثورة المال الكافي، لافتتاح قنوات تلفزيونية ومؤسسات اجتماعية يسيطر بها على أفراد الشعب اليمني.

ولا شك في أن تخبط الثورة الإيرانية في سياستها الخارجية، ومحاولتها فتح فروع رسمية لها داخل بعض الدول العربية، أثر في سياسة المنطقة بأكملها، بما فيها إيران نفسها، ووضعها في أزمات متلاحقة انشغلت من خلالها عن التنمية التي هي بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى.

ولا شك أيضاً في أن أصول اللباقة السياسية تقتضي ألا تتدخل الدول في الشؤون الداخلية لبعضها بعضا، لكن إيران لم تتبع هذا النهج الحكيم، وتدخلت بشكل أو بآخر في شؤون الآخرين، ليكون الفشل شعارها في بناء الثقة التي تقوم على السياسة السليمة والمتزنة وتبادل المصالح المشتركة والمتبادلة بينها وبين دول الجوار. والآن، وبعد أزمة الحوثيين، لابد لكل دولة انتهاج طريق تنموي مفيد يضع مصلحة الوطن والمواطن في المقدمة، ويقضي على أسباب التخلف والفقر والجوع، وغيرها من الأسباب التي تجعل البيت الوطني عرضة لسهام الآخرين، ولابد لإيران تحديداً مراجعة حساباتها السياسية، والالتفات إلى تنمية مجتمعها. فالتنمية والبناء وافتتاح فروع للشركات تقلل عدد العاطلين عن العمل، أهم ألف مرة من افتتاح فرع للثورة في أي دولة عربية لن تكون نتيجته سوى المزيد من القتلى والضحايا والموت والدمار، ولعل من تشرد وقتل من أهالي مدينة صعدة وبقية المدن اليمنية سيعجل بوضع حل جذري للأطماع الإيرانية، وسيجبرها على التخلي عن فكرة تقليد مطاعم الوجبات السريعة التي تفتح فروعها العالمية باللون والطعم والرائحة نفسها!

تويتر