رجل على نار هادئة..

حازم سليمان

أعرف سيدتي أنك ماهرة في الطبخ، وأن لديك من الخيارات «الكتب والبرامج والوصفات» ما يُغنيك عن دخول مطبخي الصغير، لكن الطبخة التي سأدلك عليها اليوم غير متوافرة إلا لديّ، فأنا بكل بساطة سأعلمك كيف تطبخين «رجل»، نعم رجل بطوله وعرضه. وأؤكد لك أن هذه الطبخة تحتمل جميع الخلطات والنكهات ويمكنك تقديمها لنفسك ساخنة أو باردة. ويمكنك عزيزتي أن تتخيلي معي، رجل بالطحينة، رجل بصلصة الطماطم، بالبشاميل، بالفلفل الحار، بالجبنة الفرنسية، ولعل الفارق الوحيد بين هذه الطبخة وغيرها أنه لايمكنك دعوة الأخريات لتذوقها، فهي طبخة خاصة جداً وفردية جداً، إلا إن كان كرمك الأنثوي يعاير منطق الحياة والأمور.

قد يتطلب طبخ رجل الكثير من الوقت والصبر، نظراً لجلده السميك المكسو غالباً بالشعر وهذه مشكلة، لكن الكثير من رجال اليوم باتوا يعتبرون الشعرمنظراً منفراً، وترينهم طوابير أمام مراكز التجميل ونزع الشعر بالليزر، ولذلك حظوظك كبيرة للعثور على رجل أملس، الأمر الذي سيوفر عليك الكثير من الجهد والوقت.

أهم ما في هذه الطبخة أن مادتها الأولية متوافرة في كل الفصول والأوقات والأماكن، يعني أكثر من الهم على القلب، ولكن، مع اختلافات بسيطة مرتبطة بالتربة التي نبت فيها، فهناك الرجل الصحراوي، والجبلي، والساحلي، المدني، الريفي، وعلى الرغم من أن هذا التنوع مريح ويرضي ذوقك، إلا أنه مُتعب قليلاً، فلكل نوعية منهم خلطته وطريقة إعداد خاصة.

الخطوة الأولى سيدتي عليك اختيار «الرجل» وبعناية شديدة، لأنه المادة الأساسية في طبختنا، لكن الأمر ليس معقداً إلى هذه الدرجة، تخيلي نفسك أمام كومة كبيرة من الطماطم أو البطاطا، أو الباذنجان، أو التفاح، قد تحتارين قليلاً، لكن عليك الحذر في الاختيار وألا تخدعك القشرة الخارجية، فكثير من التفاح الجميل منخور من الداخل.

بعد وضع الرجل في سلتك «الذاكرة»، حاولي تجاهله، لأن سلعتنا هنا على عكس كل مشترياتك، فهي ذكية وتدرك رغبتك فيها، فتتكبر وتصير قاسية وفجة وعصية عن الاستواء، والتجاهل هنا هو الحل المثالي لتبقى مادتنا الأولية مستسلمة في السلة لمصيرها. خلال فترة التجاهل عليك التفكير ملياً في الخلطات المناسبة، حسب التربة التي نبت فيها، فكري في الفلفل «الغيرة»، الملح «الحذر والجدية»، الزعفران «الاغواء»، إكليل الجبل «الذكاء والصبر»، القرنفل «القسوة»، الكزبرة «القوة»، القرفة «العاطفة»، الكومون «اللطافة»، فكري جيداً واستخدمي حواسك في اختيار النكهة المناسبة، ولكن، أحذرك من الإفراط في المنكهات أو استحدام واحدة على حساب الثانية.

التظيف الجيد ضرورة لا تتنازلي عنها، استخدمي أسلوب النفض، لإزالة كل الغبار العالق عليه، وانتبهي إلى أنه ليس سجادة فتأخذك حمية الضرب، ثم عليك غسله جيداً، أغسليه من ماضيه، لأن هذا الماضي قد يفسد طبختك ويدخل عليها طعماً لاتفضلينه أبداً، لكن، ليس كل ماض هو وسخ بالضرورة، وعلى جميع الأحوال نظفيه جيداً وبهدوء، لأن التنظيف السريع قد يجعلك غافلة عن أشياء لا تروق لك، واعلمي أن لكل واحد منهم طريقته الخاصة في التنظيف، وهذا أمر يقع ضمن مسؤوليتك المباشرة، ولا تتركي هذه المهمة للخادمة أبداً.

بعد كل ذلك، تأملي «الرجل»، أنظري إليه من كل الجوانب قبل وضعه في الوعاء «القلب»، لأنه متى دخل الوعاء يصير إخراجه صعباً، ولذلك لا تتسرعي حتى لو كنت جائعة.

بعد أن تقرري وضعه في الوعاء، اغمريه وبهدوء بماء دافئ «العاطفة»، أكرر يجب الهدوء في سكب الماء الدافئ، لأن الإفراط في إظهار العواطف يُخرب الطبخة تماماً، اتركيه منقوعاً في الماء الدافئ لفترة وراقبي ردات فعله، قبل أن تستبدلي الماء الدافئ بماء مغلي «الحب»، وأعلمي أنه ليس كل أنواع الرجال يحتمل الماء المغلي، فمنهم من يفسده هذا الماء، ومنهم من ينفر، ومنهم من يفقد الصبر، ومن هنا فإن الالتزام بمراحل الوصفة مفيد جداً لتتأكدي من أن الأمور في السليم وعلى خير ما يرام.

في تلك الأثناء، تكونين قد سخنت الفرن جيداً «الزواج»، لأن الزواج للأسف هو المختبر الحقيقي لكل جهودك السابقة، وفي هذه المرحلة، يصير التراجع صعباً. تضعين «الرجل» مع كل المقادير السابقة والخلطات التي تمتلكينها، وتتركينه ليستوي على نار هادئة، وتقلبينه على كل جهاته مع مراقبة دائمة، لاتنشغلي عنه، في العمل، أو بالهاتف، أو «الفيس بوك»، أو مع الضيوف، لأن «الرجل» متى دخل الفرن فيمكن أن يحترق، أو يجف بسرعة، فتنتزع طبختك تماماً، وتقولين «ياريت اللي جرى ما كان».

اتيكيت:
--اسكبي الرجل في وعاء كبير وضعيه في منتصف طاولة السفرة «العائلة».
--يمكنك تزيينه بما تشائين من المزينات «شيكات، فيزا كارت، مفاتيح سيارة وبيت، وصكوك وأسهم».
--كليه بهدوء شديد ولا تتسرعي، فمعك العمر كله «لتفصفصيه» ولا تتركي منه إلا بقايا عظام وذكريات، أو صورة بخط أسود على الجدار.
--وصحتين وعافية..

hazemm75@hotmail.com

تويتر