لعبة المخاتلة

زياد العناني

ثمة تبريرات مسبقة يقدمها المترجم العربي سلفاً، حين يتعلق الأمر بترجمة أعمال بعض الكتاب اليهود المغاربة، كأن يقول: كاتب يهودي لم يسقط في فخ الصهيونية، بل إنه ظل مصراً على شجبها وبقوة صوت المؤذن، ويصر على هويته المغربية.

هل نحتاج نحن العرب إلى مثل هذه التبريرات الزئبقية الجانبية، لكي نتعرف مثلاً إلى كاتب بحجم إدمون عمران المليح لم يترجم إلى العربية، على الرغم من أن له أكثر من باع في الفلسفة الحديثة وفلسطين التي جعلها ضمن خرائطيته الكتابية، إضافة إلى متابعاته الفكرية لمسألة التشييء والتسلطية في نظرية «حنا أرندت» حول الشر المحض، وإيمانه بعدم وجود الأسوار الفاصلة بين الثقافة والمعرفة.

«نحن أمام كاتب لا تخلو كتاباته من إضافة عميقة»، كما يقول المترجم الذي أرهق الكتاب كله في ما يشبه الاعتذار عن ترجمة أعمال هذا الكاتب، من دون أن يأخذ في الاعتبار أن فعل الترجمة ومنذ العهد العباسي إلى الآن هو فعل معرفة، وليس فعل تعرية للمنابت والأصول والهويات التائهة، يبنى على الساقط من المقولة الغبية التي تعرف الناس على أنهم معي أو علي.

ليس مهمّاً في عالم الأفكارالكبرى وتبادلها الكوني أن نترجم لمن يقال إنهم معنا، وننغلق عن الفئة التي ليست معنا داخل جبهة واحدة، وذلك لأن الأهم معرفياً هنا هو أن نترجم كل كتابة تقع خارج اللغة العربية لامتصاص تنوعها الخلاق وأفكارها الخاصة، باعتبارها اقتراحات جمالية وفكرية وتصورات معرفية يمكن أن نستفيد منها، بدلاً من الدخول في المخاتلة ولعبة الهويات المركبة.

إن إصرار المترجم على أن إدمون عمران المليح قد تمكن من الحفاظ على هويته المغربية على مدار زمن يكاد يغطي قرناً من الزمن، ضيع علينا معرفة التشكل الثقافي عند هذا المفكر والناقد والروائي والفنان التشكيلي، وقلل من تغطية إسهاماته التي تجمهرت في أدب جذري يقف في مواجهة المشكلات الكبرى العاصفة بقيم الإنسان والعالم.

ومن هنا، كان على المترجم أن يترجم أعمال إدمون التي لم تعرف إلا من خلال عناوينها وبعض الإشارات التي لم تقربه من معنى التداول، ولم تميزه إلا بكلام عن يهوديته المعادية للصهيونية.

وبناء على كل ما تقدم، يحتاج فعل الترجمة في العالم العربي إلى معاشرة حقيقية للأعمال الفكرية والإبداعية عند الصديق والعدو معاً، لأن فعل الترجمة ليس له استراتيجية سرية أو استخبارية، ولا علاقة له بتهمتي الولاء والعمالة، بل إنه فعل يبعد عنا شبح الفقر الفكري، ولا يحشرنا في «بؤس الأيديولوجيا» التي تعني أننا سنظل في دائرة مغلقة عن العالم، نعيش بلا تلك القاعدة الذهبية التي تقول«اعرف عدوك»، التي نتجنبها بحجة الخوف من الاختراق الصهيوني، وبقية المخاوف التي جعلت من العالم العربي يعيش مراهقة ثقافية تحتاج إلى الرقباء وعقلية القلعة أكثر مما تحتاج إلى الانفتاح على كل الثقافات الإنسانية، ومعرفة نقاط ضعفها وقوتها بدلاً من التمحور والتخندق والتكلس البليد.

zeyad_alnamani@yahoo.com

تويتر