للحزن غيمة.. للحبّ كل الفصول

علي العامري

للحزن غيمة، وللحب كل الفصول. وكل غيمة هي بالضرورة عابرة، تمر في الأفق مثل ظبية أحياناً، ومثل ليل ثقيل أحياناً أخرى. فكل غيمة لا تشبه أختها، إذ لا تواؤم بين الغيوم. لذلك، يبدو الحزن مثل غيمة عابرة تمر من أرواحنا تاركة أثراً معتماً، وقد نبكي أو نرسل نظراتنا إلى البعيد، وقد نغفو قرب نافذة أو تحت حنين غامض، وقد نتدثّر بالصمت، أو ندندن لحناً عتيقاً.

تعبر غيمة الحزن في أرواحنا مثل شالٍ يرفرف ببطء، لكنها، تلك الغيمة، تظل عابرة، لا جغرافيا لها كي تقيم، ولا بيت لها حتى تنام. هي كذلك، لا تعرف سوى الرحيل والعبور والمرور والانتقال والهجرة، فهي عابرة سبيل، وعابرة سماوات، وعابرة بلدان، وعابرة أرواح، وعابرة فصول.

مع كل ريح تتشكل الغيمة، وسرعان ما تتغير أشكالها، تظهر، وتتلاشى، تغيم وتغيب، لكنها لا تقيم مثل حجر، إنها وفية لصفة العبور، هويتها عابرة، وأشكالها عابرة وعتمتها عابرة أيضاً. وكثيرة هي الأمثال والقصص العربية وغيرها التي تتحدث عن الحزن باعتباره غيمة عابرة.

وهذا هو الحال مع الأزمات التي تغيم على الناس والمدن والدول، إذ سرعان ما تنقشع غمامة الهم والغم، لأنها عابرة، تمر من هنا وهناك، ولا تقيم شجرة في مكان.

وإذا كان البشر «معادن»، كما يقال، فإن الغمام «معادن»، فمن غيمة الحزن التي تجعل الحياة ثقيلة مثل الرصاص على القلب، ويصبح الأفق ضيقاً، لأنه لا يتسع لابتسامة صغيرة أو قبلة، إلى غيمة محملة بالمطر، نشاهدها، ونراقبها وهي تتحرك مثل فراشة كبيرة في السماء، ونرصد تحولات ألوانها وأشكالها، مستبشرين بالمطر الذي ينعش الأرض والروح، ويفيض عشقاً يخرج الأخضر المنتشي من قميص الأرض.

غيمة الحزن القاتم، نتمنى أن تعبر بسرعة البرق، بينما ننتظر الثانية، أم الماء، لتغسل أرواحنا وتؤجج دفء المشاعر في قلوبنا، وتشعل الأرض حباً وخضرة وأملاً وفرحاً.

غيمة الماء، بنت الشتاء، رسولة الخضرة والحب والحياة والقصائد. معها يصبح للضوء معنى جديد، وللدفء معنى جديد، وللأشجار مشهد جديد، وللشوارع والنوافذ والرمال والتلال والبحار، معنى جديد.

هل تأملنا مطراً يهطل على البحر؟ ربما كثيرون منا وقفوا على شاطئ، أو خلف زجاج نافذة، وهم يتأملون مشهد قطرات الماء وهي تهطل فوق ماء البحر.

ماء حلو على ماء مالح.
ماء صاف على زرقة مضطربة.
مطر يعزف على بيانو البحر.
ماء عمودي على سرير الموج.

والآن انظر من النافذة، ثمة غيمة عابرة مثل ليل تمر من هنا. ولكن ثمة غيمة محملة بالمطر تتقدم مثل مها رشيقة تبشر بالحب والربيع والقصائد.

ali.alameri@emaratalyoum.com

تويتر