القارة السوداء في مهرجان لا يبزغ
إفريقيا السوداء، كيف يراها العالم في برامج ووثائقيات وأخبار وندوات الفضائيات التلفزيونية العالمية؟ إنه يراها، في كل ما يُبث من صور وأصوات، بمثابة ديكور لمعلومات مُمتعة وتسلية مُحكمة، تتخللها الإعلانات، هدفها أن يعتقد من يُشاهد أنه يفهم ما يسمع وما يرى! وتظهر كل أخبارها مملوءة بصعوبات مماثلة لصعوبات أولئك الهاربين من القارة الذين يُلقى القبض عليهم ويحتجزون، ليعادوا من جديد قسراً إلى قارتهم.
الأخبار طيبة وغير منقوصة، أخبار الجوع والإيدز والحروب الأهلية القاتلة. وأخبار المهاجرين الغرقى الذين تُغسل جثثهُم على شواطئ جزر الكناري.
يعود تاريخ السينما في إفريقيا إلى خمسينات وستينات القرن المنصرم، وهي نشأت في زمن النضال من أجل الاستقلال، واستعمل مخرجوها الرواد أفلامهم سلاحاً سياسياً للتعبير عن الوعي الوطني في المستعمرات السابقة.
لكن، بعد سقوط النظام العنصري، ونهوض صناعة الفيديو في نيجيريا، حوّل السينمائيون الإفريقيون اهتمامهم باتجاه تطوير ثقافتهم الوطنية، وتملّك جمالية خاصة في التعبير عن واقعهم الاجتماعي، والبحث عن هويتهم الإفريقية.
بدأت مشكلة السينما في إفريقيا منذ بدايتها، تأتي من كون أفلامها تنتج، بالدرجة الأولى، بمال قوى الاستعمار القديمة. ففرنسا وبلجيكا تدعمان تقليدياً المستعمرات الفرانكفونية السابقة، وإنجلترا تدعم، بشكل أقل، البلدان الأنغلوفونية التي كانت تحت سيطرتها الاستعمارية، أما البرتغال فتدعم ممتلكاتها في أنغولا والموزامبيق. من هنا، ارتبطت السينما، وفقاً لسياق مُسبق، بظروف معقدة، تبدأ من إعداد مخرجيها وتعليمهم في الخارج، وتمر بتمويل أفلامهم وتهيئة أجهزة إنتاجها الكامل، ولا تنتهي عند مرحلة إنهاء الأفلام وظروف عرضها.
يسعى برنامج «هذه هي إفريقيا» الذي نظمه مهرجان لايبزغ في نهاية الشهر الماضي إلى قلب صورة مألوفة إلى نقيضها. برنامج يقدم فيه مخرجون من القارة السوداء تصوراً آخر عن واقعهم الثقافي والعرقي والاجتماعي.
عرض البرنامج 16 فيلماً تسجيلياً وأربعة أفلام كرتونية، أفلام حديثة جاءت من السنغال ونيجيريا وموزامبيق وبوركينا فاسو وجنوب إفريقيا ورواندا والكونغو وغانا وزمبابوي وخليج العاج. أفلام تسلط الضوء فنياً على موضوعات اجتماعية راهنة، تحرر المرأة الإفريقية المتزايد في ساحل العاج، حكاية مزارع من نيجيريا تتعثر محاولته لتأمين مهر ابنته، لأنه لا يستطيع أن يبيع محصوله المحلي من البصل، بسبب مزاحمة المحصول الأجنبي، صورة لمغني سنغالي أسطوري. لكن الفيلم الأكثر طرافة هو عن سكن آلاف المواطنين الفقراء على أنقاض مهجورة لأفخم فندق للبيض، كان قد بناه المستعمرون البرتغال في موزامبيق، أما الآن فينعم سكانه السود بالرضا والسرور، على الرغم من عدم وجود ماء أو كهرباء، على أنقاضه، أو حتى صفائح لرمي الزبالة!
هل توجد خصائص تعبيرية تجعل من فيلم ما فيلماً إفريقياً؟
يلخص المخرج إدريسا كفيرادو من بوركينا فاسو إجابته:
«لا توجد سينما إفريقية، ونضالنا كصناع أفلام يهدف إلى إثبات أننا لا نختلف عنكم، كما أنكم لا تختلفون عنا. ما يجعلنا مختلفين هو الوضع الاقتصادي»!
سؤال آخر: هل يتطابق الفيلم الإفريقي، بسبب تمويله الأجنبي، مع توقعات «سياسية» لتلك المؤسسات التي تنتجه، أو لتلك المهرجانات التي تعرضه؟