بين القلم والكمبيوتر

أحمد السلامي

تحكي سير بعض الكتاب والروائيين الغربيين عن تعلقهم الشديد بالآلة الكاتبة في شكلها التقليدي المتعارف عليه، ولا تخلو أفلام السينما من المشاهد التي تصور المؤلف وهو منكب على آلته وحركة جذعه الأعلى تتمايل مع تسلسل الأفكار بالتوازي مع انتظام صوت قرقعة مفاتيح الآلة.

تبدو فتنة هذا المشهد ملهمة إذا ما تخيلنا جيمس جويس مثلاً وهو يؤلف مجموعته القصصية «أهالي دبلن». أما إذا تخيلناه وهو ينجز روايته الشهيرة «عوليس» فإن حركة أصابعه وهي تضرب على مفاتيح تلك الآلة السحرية ستجعله يبدو وكأنه متوحد بعزف سيمفونية خالدة.

ربما يليق هذا الوصف بالأهمية البالغة التي تحتلها رواية «عوليس» حسب مطالعة بعض ما كتب عنها، ومن الغريب أن كثيرين مثلي لم يقرأوا بعد هذا العمل السردي الذي يوصف بالاستثنائي ولايزال غير متاح في المكتبة العربية، ويقال إن ترجمته صدرت بنسخ محدودة.

نعود للآلة الكاتبة التي تعلق بها أدباء الغرب، وفي المقابل استبدل الأديب العربي اليراع بالقلم، غير ان الشعر الحديث ظل يتغزل باليراع وريشة الكتابة ويوظفهما في استعارات معنوية ينسجها الشاعر في خياله ويخطها بقلم الحبر الحديث.

وفي عصر الحاسوب والكمبيوتر المحمول، وفي الوقت الذي بدأ البعض يتحدث عن الأدب الرقمي لايزال القلم ملتصقاً بأصابع غالبية المشتغلين بالكتابة والتأليف.

وكما تدل المؤشرات على أن الكتاب المطبوع لايزال مهيمناً على المشهد الثقافي العربي، يرى المتشبثون بالأقلام الملونة أن لحظة الكتابة والتجلي مشروطة في وعيهم وخبراتهم بتسويد البياض، وأن المتعة في مكابدة الإبداع متصلة بتشكيل الحرف وانثيال الكلمات على الورق. يمكننا الاستمرار في التعاطي مع هذه الرؤية من زاوية نفسية، من دون التسليم بمبررات قطعية تحاول أن تربط الإبداعي بالتقني، وإذا اعتبرنا أن الجانب النفسي هو المبرر الأهم، فهذا لا يمنع من المكاشفة بأن البعض لايزال يتهيب التعامل مع الحاسوب.

ولا شك أن الجيل الجديد من الأدباء والصحافيين كان أكثر حظاً من الأجيال السابقة، لأن تجاربهم وممارستهم لحرفة الكتابة ولدت بالتزامن مع هذه الانتقالة النوعية التي توشك أن تحيل المطبعة إلى المتحف.

 

slamy77@gmail.com

تويتر