رادار للحب

حازم سليمان

في زمن الخسائر تتساوى الأشياء.

يصبح كل ما حولك ومن حولك باهتاً عادياً، لا نكهة له ولا رائحة، وتصير مرارة الفم أقوى من معاجين الأسنان، وحبوب النعناع، وتلك البخاخات الصغيرة التي يستخدمها الرجال الموعودون بقبلة قلما تتحقق.

في زمن الخسائر، تتحد الجهات، كيفما أشرت تجد هزيمة جاهزة منمقة بانتظارك، هزيمة عند مدخل البناية، وثانية عند إشارة المرور، وثالثة في محطة الوقود، ورابعة أمام مديرك، وخامسة أمام أولادك، وسادسة عند جسر النهدة وأنت عالق في ذلك الموكب لسيارات يُعلق الناس عليها أعلام بلادهم، وآيات قرآنية، وأرقام هواتف، وصورا صغيرة لغيفارا، وتضحك في قرارة نفسك على نفسك، وعلى الآخرين.

تفقد الاشياء قيمتها في مثل هذه الأزمنة المؤقتة، وتنكمش القلوب على نفسها مثل قنافذ صغيرة، هكذا، كأن نكتشف فجاة أننا بددنا أعمارنا بمزاج مُكَيف وأفراح مختصرة بأكياس، ومشتريات، و«كوبونات» نخط عليها أرقامنا وأحلامنا ببيت أو سيارة أو رحلة بحرية أو أي شيء يدهشنا قليلا ويجعلنا نصرخ «واو» وينتهي الأمر.

أحيانا أو كثيراً، تسرقك إغفاءة وأنت في مقهى تنتظر امرأة قديمة لا تأتي، أو وأنت تلقي بنظراتك الصباحية على مدينة تصحو من نومها للتو، القهوة تلو الأخرى، السيجارة من نار أختها، وتقول في قرارة نفسك: يارب هبني القدرة على احتمال نظرات شرطي ضبطك بلا حزام أمان، أو رادار عنيد يسحب من جيبك 600 درهم تلو الأخرى، أو كاميرا سرية تصورك وأنت تدخن في زاوية مهملة من مكان العمل، لتدرك سلفا أنك مفضوح، مكشوف، وأن ثمة من يتربص بك، وأن ثمة من يختبئ في جيبك، داخل حقيبتك، في المقعد الخلفي للسيارة.

سيدي أنا لا أعترض، ولا أتأفف، لكني أفكر بصوت مرتفع، أمعن عقلي الآخذ في الضمور، أستشير مرآتي، أيهما أنا، هذا الذي أمامي في المرآة؟ أم هو ذلك الذي تأخر عن مقابلة عمل للمرة الخامسة. أنا لا أعترض، لكني أفكر، فقط أفكر أن أضع إعلانا مبوبا من 10 كلمات «رجل وحيد يبحث عن سرير أبيض لإغفاءة حقيقية قصيرة بلا كوابيس».

سيدي الذي لا أعرفه، فقط أريد ليومي أن يمر من دون أن أفكر في الراتب، و«البونص»، وإيجار البيت، و«الفيزا كارت»، وأقساط المدرسة، والتأمين، وأنفلونزا الخنازير، أريد أن أقول لامرأة عابرة أحبك، بصوت مرتفع يعلو فوق كل هذا الضجيج.. مجرد كلمة تخرج من فمي على شكل حمامة بيضاء، تطير في سماء هذه المدينة، ليعرف الجميع أني عاشق، رغم أنف زمن الخسائر هذا.



***

لماذا كلما قلت لك أحبك لمع في وجهنا رادار؟

يا إلهي كيف سأدفع فاتورة ترخيص قلبي؟

كم نقطة سوداء عليه.. هل سيسحبوه مني؟!

ربما...

 

hazemm75@hotmail.com

تويتر