سيد التناقضات

حازم سليمان

عنه.. ذلك الجالس على حواف العالم ينظر إليه بدهشة طفل صغير يتهجى حروفه، يخطو خطوته الأولى.. الثانية، وسرعان ما يعود مسكوناً بالخوف إلى حضن أفكاره القديمة. ربما صار لشكله نكهة اليوم، استبدل الحصان بالسيارة، والسيف بالهاتف النقال، مراقبة النجوم بنشرة الأرصاد الجوية، لكن عقله لايزال هناك في المكان الذي لا نوافذ فيه ولا ضوء.

ربما لا ذنب له ذلك الآتي من تاريخ مشبع بالجهل والقمع والتخلف والهزائم التي لا تعد ولاتحصى، أن يكون على هذه الشاكلة. لا ذنب له لأن هناك من لقنه أن الذكورة نعمة تشبه الاصطفاء المقدس.

أقصد ذلك الذي يبدد أيامه بصدر منفوخ وأكتاف عريضة وصوت أجش، يوزع ابتسامته وأشواقه على النساء، ولا يتوانى عن قتل ابنته إن لمح على وجهها بقايا ابتسامة لشاب عابر، أو خفق قلب أخته العانس لرجل انحنى لها عند باب البيت.

أقصد ذلك الذي يحاصر أنثاه بألف سور، ويرهق أيامها بالخوف والصراخ والأسى، ويفرض عليها شكلها ولباسها وعطرها وطبقة صوتها وانكسار نظرتها، وهو في الوقت نفسه من أشد المؤمنين بحرية النساء.. كل النساء عدا نسائه.

أقصد ذلك الذي يوصي ابنته بألا تلعب مع الصبيان لأنهم الشر المطلق، وأن تصرخ في اللحظة التي تستنشق فيها عطراً رجالياً، ويضحك بفخر وسعادة مفرطة حين يعلم أن ابنه يعانق «الغيل فريند» عند بوابة المدرسة.

أقصد ذلك الذي يتمنى لو أن الذكورة فيها ميزة تفتيش عقل أنثاه وقلبها والبحث في أوردتها عن قطرة دم زائدة أو ناقصة، لكنها إن نظرت إلى هاتفه المحمول يصرخ «أيتها الجاهلة ألم تسمعي في حياتك عن الحريات الشخصية».

أقصد تلك البلاد المغلقة كصندوق قديم والتي تحاسب المرأة على الضحكة، وبنطال جينز، ولم تحسم أمرها بعد إن كان ظلها على العشب خطيئة، ورائحتها في الممرات ذنب، وارتيادها المطاعم كارثة، ودخولها الإنترنت من دون محرم فساد.

أقصد ذلك الإيمان بأن ماكينة الخياطة أفضل للأنثى من الكمبيوتر، ودورات التطريز والطبخ أفضل من الباليه والموسيقى والكتب.

نعم أقصدك أنت يا سيد التناقضات، أيها العالق مثل سمكة في صنارة عتيقة صدئة، أيها المجبول على القناعة وضدها.

أيها التعس المشروخ مثل جدار قديم، أقصدك أنت أيها الجالس على حواف العالم تنظر إليه بدهشة طفل صغير خائف.

****

رغم أن له عشر بنات رائعات...
ينادونه أبو أحمد


hazemm75@hotmail.com

تويتر