في قلوبنا

سالم حميد

شاب إماراتي وحيد، يسير منفرداً عن الناس بعيداً، في حديقة الـ«هايد بارك» اللندنية ليرتاح من عناء الدراسة وليستنشق الهواء العليل، ويملأ رئتيه بأريج الأزهار الجميل، ويستأنس بزقزقة العصافير بعيداً عن ضجيج المدينة والزمامير، ثم بدأ يحدق في مياه البركة وهي تداعبها الطيور بكل رقة وغرور. وفجأة، يفيق الشاب من أحلامه على أصوات وزمجرة الغاضبين من عرب متزاحمين، النار تتطاير من أعينهم، وكأنها حمم فجرتها للتو البراكين، ويصرخون بأعلى أصواتهم «نحن من حكوماتنا هاربون»!

خاف الشاب من هول المنظر، وتساءل «هل هذا احتفال أم منكر؟!»، لكنه تشجع وحافظ على رباطة جأشه ودخل الساحة، واستمع إلى لهجات عربية عدة، توحدت جميعها على شتم حكوماتها، فكانت فرصة له كي يتعرف إلى معارضين من الإمارات ليسألهم عن سبب المعارضة، ثم يثنيهم عنها محبة في الوطن، لكنه أخفق في العثور على ضالته المنشودة، فسأل أحد الحاضرين «هل يوجد بينكم من الإمارات معارضون؟». نظر الرجل إلى الشاب الإماراتي باستغراب، ثم ردّ عليه بكل استهجان «ماذا تقول؟ أليس عندكم زايد؟!»، ثم صاح بأعلى صوته على أصحابه متسائلاً «يا جماعة، هذا الشاب يبحث عن معارضين من الإمارات، فهل يوجد بينكم من يبحث عنه؟».

ساد الصمت المكان، أعقبه بعض الهمس واللمز في ما بينهم، لينقلب بعد قليل إلى ضحك في إمعان، ومن كثرة الضحك أخذ البعض يتلوى كالحية الرقطاء، والبعض الآخر جلس القرفصاء! فبادر شيخ جليل بالتقدم نحو الشاب وقال «اعلم يا ولدي أن الله قد اصطفى بلادكم وعزلها عن سائر بلاد العرب، فكان سجلها خاليا من الخلافات، ولم تكن هناك أزمة عربية أو إسلامية إلا وكان لكم اهتمام ومساعدات. وطبعاً، انشغلتم أنتم يا أبناء زايد بالتطوير والحداثة، فأصبحت دولة الإمارات إلى جانب إبداعها السياسي جنة وتحفة معمارية تضاهي الدول الكبرى، يشهد لها البعيد قبل القريب، فهل تعلم لماذا؟ لأن من قام بتربيتكم هو زايد بن سلطان حكيم العرب، فكيف تتوقع أن تجد من بلاد زايد معارضين!». حينها، انصرف الشاب مزهواً إلى حاله رافعاً رأسه ومردداً «أدام الله عزك يا بوخليفة، أدام الله عزك».

لم تبرح ذكرى تلك الحادثة خيالي، ولم أنسَ إحساسي ذلك اليوم من عام 2001 بالفخر العلي كوني أحد أبناء زايد.

والدي زايد، ليس بإمكاني أن أتكلم عن مبلغ التقدير أو أسمى معاني الحب والإجلال الذي أكنه لك في قلبي والأثر البليغ الذي تركه جمال أعمالك وخصالك، فلم يكن يخطر لنا ببال أننا سنفارقك أو نحرم من رؤيتك، لكننا سنحدق في صورتك كلما فاضت بنا الذكرى واشتد الحنين، والدموع تنحدر من أعيننا نبكي بكاء مراً يذيب الصخر من قسوة الواقع، ونجثو على الأرض نسأل الله أن يعيننا على الصبر على فراقك، فاسمك سيبقى في قلوبنا.

 

تويتر