عن الحياة

حازم سليمان

ليس بالضرورة أن تؤمن بها لتتحقق.

ولا أن تنكرها لينقضي أمرها.

وليس بالضرورة أن تُفلح في كتابة شيء يرضيك وأنت تفكر في باسل رفايعة وهو يقول «أكتب شيئا عن الحياة». فتجلس ساعات تفكر بالحياة، لتكتشف أنك لا تعرف أي شيء عنها أكثر من هذا العيش المأزوم، هذه اللعنة اليومية وأنت تحاول دون جدوى انتشال مكانك من مكانه، وسعيك الفاشل إلى أن تعلمه الكلام علّه يقول لك كيف تنجو منه قبل أن يقتل أحدكما الآخر.

الحياة التي تفكر فيها تشبه خيبة ابتلاع حبة فياغرا مغشوشة، أو أن تستدعي أفكارك القديمة وأنت عالق في زحام الصباح تبحلق في امرأة مكشوفة في سيارة مكشوفة، وتنتظر من دون جدوى أن تحبك من النظرة الأولى وتقول:



ليس بالضرورة أن يكون للحصى التي ترميها في الماء دوائر، ولا أن يكون في بحيرة البجع.. بجع، ولا أن تكون الحقيقة عند القاتل، بل عند القتيل الذي سيظل قتيلا إلى أن يثبت عكس ذلك.



الرصاصة كافرة لا تعرف خالقها ولا تؤمن به، ولا تحفظ وجه القتيل الذي تخترقه تاركة في رأسه ثقباً كافياً للنظر في ما مضى من أحلامه وما كان سيمضي.

الحياة التي تروي فيها لأصدقائك حكاية عن قائد عظيم كان يعود من حروبه بخصل شعر من قتلاه، ثم صنع منها وسادة، وكان حين ينام يسمع صراخ قتلاه وأحاديثهم التي لا تنتهي، وحين قرر الموت بعد 1000 عام، زرع أعوانه خصل الشعر فوق قبره لتنبت شجرة عملاقة، تثمر رؤوسا بعيون مفتوحة، وأفواهاً صارخة ثرثارة، وحدهم الاطفال كانوا يجرؤون على قطفها، يدحرجونها نحو السهول ويركضون خلفها، وهناك كانوا يطعمونها لكلاب المزارع، لتتسنى لهم سرقة أشجار الموز، والبرتقال الذي كان له صرة.. الاطفال يأكلون الموز والموتى يقتلون مرتين.

وتخبرهم أيضا أن أول امرأة أحببتها كانت تكبرك بعشرين سنة، والاخيرة تصغرك بثلاثين خطوة، وأنك أمير مسحور إلى انسان عادي لا يعرف عن الحياة ما يمكن ان يكتب عنها.

ليس بالضرورة ان تكتب عن الحياة، الحياة التي نبددها، نرقعها، نرثي جوانبها، ننفث دخان سجائرنا فيها كمعامل صغيرة لاتنتج أي شيء.. فقط تمر سنوات وأنت هكذا تحصي الغيم العابر، والفصول والحروب، وارتفاع أسعار الأعضاء البشرية، وتناطح الأمم على الأمم، مدركاً أن كارثة ما تقترب رويدا رويدا وعلى رؤوس أصابعها.

hzemm75@hotmail.com

 

تويتر